وكان ذلك نعمة من الله على المؤمنين، وانظر (الإيمان) في الآية رقم [١]. {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ}: هذا الأمر للملائكة، وفيه دليل على أنهم باشروا القتال، وهو المعتمد، فيكون متصلا بما قبله، وقيل: هذا أمر للمؤمنين فيكون منقطعا عما قبله، والمراد ب {فَوْقَ الْأَعْناقِ}:
الرءوس. {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ} أي: كل مفصل من أجسامهم.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-يعني الأطراف، هذا؛ و «بنان» جمع: بنانة، وهي أطراف الأصابع، سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن الإنسان أن يبين ما يريد أن يعمله بيديه، وإنما خصت بالذكر من دون سائر الأطراف؛ لأن الإنسان يقاتل بها، ويمسك بها السلاح في الحرب، هذا؛ وقوله تعالى في سورة (القيامة){بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ} يلفت النظر إلى أهمية خلق البنان حيث جعل خلقها دليلا على قدرته، وقد ظهرت في هذا العصر حكمة ذلك حيث ثبت أن بنانة شخص لا تشبه بنانة آخر، ولذا يعتمد على طبعة البنانة في الوثائق التي تدون بين المتعاملين بالنسيئة، هذا؛ والإلقاء في الأجرام: الطرح والرمي والقذف، فاستعير {سَأُلْقِي} هنا للمعاني.
تنبيه: روي عن أبي داود المازني-وكان شهد بدرا-قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف، قال: لقد رأيتنا يوم بدر، وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك، فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. انتهى خازن. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
الإعراب:{إِذْ}: بدل ثالث من {وَإِذْ يَعِدُكُمُ} أو هو متعلق بالفعل (يثبت) أو ب (اذكر) محذوفا. {يُوحِي}: مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء. {رَبُّكَ}: فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله ضمير مستتر فيه. والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {إِلَى الْمَلائِكَةِ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {أَنِّي}: حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {مَعَكُمْ}: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر (أن)، والكاف في محل جر بالإضافة، وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، وقيل في محل جر بحرف جر بمحذوف، التقدير: بأني، هذا؛ وقد قرئ بكسر الهمزة، وفيها وجهان: أحدهما: أن ذلك على إضمار القول، وهو مذهب البصريين، والثاني على إجراء {يُوحِي} مجرى القول؛ لأنه بمعناه، وهو مذهب الكوفيين. {فَثَبِّتُوا}: الفاء: هي الفصيحة، وانظر الآية رقم [١]. (ثبتوا): أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، وانظر إعراب {اُسْجُدُوا} في الآية رقم [١١] الأعراف. {الَّذِينَ}: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. {آمَنُوا}: ماض وفاعله، والألف للتفريق، وانظر إعراب {قالُوا} في الآية رقم [٥] من سورة (الأعراف) وجملة:
{فَثَبِّتُوا} لا محل لها على جميع الوجوه المعتبرة في الفاء. {سَأُلْقِي}: السين: حرف وعد هنا