اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي: أيقنوا أن الله شديد الانتقام ممن عصاه، وممن رضي بالمعصية، وسكت، ولم ينكرها بما يقدر، ويغيرها بيده أو بلسانه، فعن عدي بن عميرة الكندي، قال: حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله لا يعذب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله العامة والخاصّة». رواه البغوي، والذي ذكره ابن الأثير في جامع الأصول عن عدي المذكور: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها». أخرجه أبو داود، والأحاديث في ذلك كثيرة.
الإعراب:{وَاتَّقُوا}: أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، {فِتْنَةً}: مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {لا تُصِيبَنَّ}:
لا: نافية. {تُصِيبَنَّ}: مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة التي هي حرف لا محل له، وهو في محل جزم في جواب الأمر، وهو في الحقيقة مجزوم بشرط مقدر عند البصريين كما يلي:(إن تتقوا فتنة لا تصيبن) وعند الكوفيين كما يلي: (واتقوا فتنة إن أصابتكم لا تصيبن)، وفيه أن جواب الشرط متردد فلا يليق به النون المؤكدة، لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه، كقوله تعالى حكاية عن قول النملة لجماعتها:{اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ} هذا وجه لإعراب هذه الجملة، والوجه الثاني أن الجملة في محل نصب صفة {فِتْنَةً،} و {لا} للنفي، وفيه شذوذ؛ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم، أو هي (لا) الناهية، ولا يصح إلا على تقدير القول كقول الشاعر:[الرجز]
حتّى إذا جنّ الظلام واختلط... جاءوا بمذق، هل رأيت الذّئب قط؟
التقدير في الآية الكريمة: اتقوا فتنة مقولا فيها: {لا تُصِيبَنَّ،} وفي البيت: بمذق مقول فيه: هل رأيت... إلخ، فالقول المقدر وقع صفة ل {فِتْنَةً،} ولمذق كما ترى، والوجه الثالث: أن الجملة جواب لقسم مقدر، التقدير: والله لا تصيبن، ويؤيده قراءة من قرأ:
«(لتصيبنّ)» بلا ألف، قال المهدوي: يجوز أن تكون اللام مقصورة من (لا) حذفت الألف كما حذفت من (ما) وهي أخت (لا) في نحو: أم والله لأفعلنّ، وشبهه، ويجوز أن تكون مخالفة لقراءة الجماعة، فيكون المعنى: أنها تصيب الظالم خاصة، أقول: وهذا المعنى غير مراد من الآية كما رأيت فيما سبق، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له، وقيل: صفة ل {فِتْنَةً،} فيقع المحذور السابق الذي من أجله قدر مقول محذوف لأن القسم إنشاء، وعلى جميع الوجوه المتقدمة فالفاعل مستتر تقديره هي يعود إلى {فِتْنَةً}. {الَّذِينَ}: اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. {ظَلَمُوا}: فعل وفاعل، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. {مِنْكُمْ}: متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة. {خَاصَّةً}: صفة