ليس اليتيم الذي قد مات والده... إنّ اليتيم يتيم العقل والأدب
ومنه من أهمل أبوه وأمه تربيته مع كونهما موجودين، وخذ قول الآخر:[الكامل]
ليس اليتيم من انتهى أبواه من... همّ الحياة، وخلّفاه ذليلا
إنّ اليتيم هو الذي تلقى له... أمّا تخلّت، أو أبا مشغولا
{وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}: سأتكلم عن هذين في الآية رقم [٦١] من سورة (التوبة) إن شاء الله تعالى. {كُنْتُمْ}: انظر إعلال {قُلْنا} في الآية رقم [١١] من سورة (الأعراف)، {وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ}: الذي أنزله الله وتكرم به على نبيه وعلى المؤمنين يوم بدر من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من نزول الملائكة والنصر المبين الذي رفع الله به شأن الإسلام والمسلمين، وسمي يوم بدر يوم الفرقان لأنه فرق فيه بين الحق والباطل، و {الْجَمْعانِ} جمع المسلمين وجمع المشركين، هذا، وانظر (نا) في الآية رقم [٧](الأعراف) و {يَوْمَ} في الآية رقم [١٢٨](الأنعام). هذا؛ وذكر الرسول بلفظ {عَبْدِنا} للتشريف والتعظيم، فإن الله أضافه لنفسه، ولم يجعل لغيره فيه حظا ونصيبا، وانظر الآية رقم [٢٣](البقرة). {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: مقتدر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن ذلك نصره العدد القليل على الكثير يوم بدر، هذا؛ والغنيمة في اللغة ما يناله الإنسان بسعيه، والمغنم والغنيمة بمعنى، والمراد به في الآية الكريمة: ما أخذه المسلمون من الكفار على وجه الغلبة والقهر، هذا؛ والفيء: ما وصل ليد المسلمين من غير حرب، ولا إيجاف خيل، ولا ركاب، كالجزية، وما يصالح عليه الكفار المسلمين، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٩] الآتية.
تنبيه: رأيت في أول السورة كيف اختلف المسلمون في غنائم بدر، وكيف وكل الله أمر تقسيمها لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، ثم نزلت هذه الآية لتبين حكم ما يغنمه المسلمون من الكفار، إلى يوم القيامة حيث تقسم خمسة أخماس، فأربعة تعطى للمحاربين الغانمين الذين شهدوا الوقعة، وحازوا الغنيمة، فيعطى للفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه ويعطى الراجل سهما واحدا، وقيل: غير ذلك، وأما الخمس الآخر فيقسم خمسة أخماس، وظاهر النص أنه يقسم ستة أسداس، ولكن الله لم يرد شيئا من المال؛ لأن الدنيا والآخرة كلها له تعالى، وإنما ذكر اسمه على سبيل التبرك، وهذا قول الحسن، وقتادة، وعطاء، وإبراهيم النخعي، فقد قالوا: سهم الله وسهم رسوله واحد، وقيل: سهم الله يصرف إلى جميع هؤلاء الأصناف المذكورين بالسوية، وحكمه باق، غير أن سهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، كما فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: إلى الإمام، وقيل: إلى الأصناف الأربعة، وقال أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-: سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته، وصار الكل مصروفا إلى