(النساء). {وَلا تَنازَعُوا} أي: لا تختلفوا. {فَتَفْشَلُوا}: فتضعفوا وتجبنوا عند لقاء العدو.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}: تذهب قوتكم، فقد استعار الريح للقوة، من حيث إنها في تمشي أمرها، ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها، كما تقول: الريح لفلان؛ إذا كان غالبا في الأمر.
قال الشاعر: [الوافر]
إذا هبّت رياحك فاغتنمها... فإنّ لكلّ خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها... فما تدري السكون متى يكون
هذا؛ والريح في الأصل: الهواء المسخر بين السماء والأرض، وأصله الروح، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع: أرواح ورياح، وأصل رياح رواح، فعل فيه كما فعل بأصل ريح، والأكثر في الريح التأنيث كما في الآية الكريمة، وقد تذكر على معنى الهواء، والرياح الأصول أربع:
إحداها: الشمال، وتأتي من ناحية الشمال، وهي شمال من استقبل مطلع الشمس، وهذه الريح حارة في الصيف، باردة في الشتاء، والثانية: الجنوب، وهي مقابلتها، أي: تأتي من جهة يمين من استقبل مطلع الشمس، وهي الريح اليمانية، والثالثة: الصبا بفتح الصاد، وتأتي من مطلع الشمس، وتسمى القبول أيضا، والرابعة الدبور، وتأتي من جهة الغرب، وما أتى منها من بين تلك الجهات يقال لها:
النكباء؛ ثم إن خرجت من بين الجنوب والشرق، قيل لها: أزيب بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الياء، وإن خرجت من بين الشمال والغرب، قيل لها: جربيا بكسر الجيم، وسكون الراء وكسر الباء، وإن خرجت من بين الشمال والشرق، قيل لها: صابية، وإن خرجت من بين الجنوب والغرب، قيل لها: هيف، بفتح الهاء وسكون الياء، وقد جمع الثمانية النواجي في قوله: [الطويل]
صبا ودبور، والجنوب وشمال... بشرق وغرب والتّيمّن والضّدّ
ومن بينها النّكباء أزيب جربيا... وصابية والهيف خاتمة العدّ
هذا؛ وأضيف أن ريح الصبا نصر الله بها نبيه صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الخندق، حيث فعلت بقريش العجائب، فارتدوا على أعقابهم خاسئين، وأن ريح الدبور، أهلك الله بها قوم عاد، ونبيهم هود عليه الصلاة والسّلام، كما رأيت في الآية رقم [٦٥] من سورة (الأعراف) وما بعدها. قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور». {وَاصْبِرُوا} أي: على مقاساة الحرب وشدائدها. {إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ}: بالمعونة والنصر، والتأييد والظفر، وانظر (الصبر) في الآية رقم [١٢٧] من سورة (الأعراف)، هذا؛ ومعية الله على نوعين: عامة وخاصة، فالأولى: لكل الناس، وهي معية بالعلم والقدرة، والثانية: للمؤمنين المتقين والمحسنين، وهي بالحفظ والنصر، والمعونة والظفر... إلخ، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ،} وقال هنا: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ}.