للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شأن أهله. {وَاللهُ عَزِيزٌ}: قوي لا يقهر، يغلب أولياءه على أعدائه. {حَكِيمٌ}: يصنع ما فيه حكمة، ويعلم ما يليق بكل حال، ويخصه بها، كما أمر بالإثخان، ومنع الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخير بينه وبين المن أو أخذ الفداء حين صارت الغلبة والشوكة للمؤمنين.

روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتي يوم بدر بسبعين أسيرا، فيهم العباس عمه، وعقيل ابن عمه، فاستشار فيهم أصحابه، فكان رأيهم مختلفا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! قومك، وأهلك فاستبقهم، لعل الله يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك، وقال عمر رضي الله عنه:

يا رسول الله اضرب أعناقهم؛ فإنهم أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، مكني من فلان نسيب له، ومكن حمزة، وعليا من أخويهما، فلنضرب أعناقهم.

وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: يا رسول الله! انظر واديا كثير الحطب، فأضرمه عليهم، فمال الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى رأي: أبي بكر رضي الله عنه، وقال: «إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم حيث قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ومثل عيسى، حيث قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ومثلك يا عمر مثل نوح قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} ومثل موسى حيث قال {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ»}. ثم قال: «أنتم عالة، فلا ينفلتنّ أحد إلا بفداء أو ضربة عنق». فأخذ الفداء، ولم يقتل سوى النضر بن الحارث الذي حدثتك عنه في الآية رقم [٣١] فنزلت الآية الكريمة والتي بعدها، فدخل عمر رضي الله عنه المسجد فوجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر يبكيان، فقال: يا رسول الله! أخبرني، فإن أجد بكاء بكيت، وإلا تباكيت، فقال: «ابك على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة».

لشجرة قريبة منه، وكانت قد نزلت الآية الكريمة والتي بعدها. وينبغي أن تعلم أن هذه الآية وافقت رأي: عمر رضي الله عنه، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٤] من سورة (المائدة).

تنبيه: في الآية الكريمة التفات من الغيبة في قوله تعالى: {ما كانَ لِنَبِيٍّ..}. إلخ إلى الخطاب في قوله تعالى: {تُرِيدُونَ} انظر الآية رقم [٦] من سورة (الأنعام). هذا؛ وقد قرئ شاذا بجر {الْآخِرَةَ} وذلك على تقدير مضاف، إذ التقدير (والله يريد عرض الآخرة) فلما حذف المضاف بقي المضاف إليه على جره، ومثل الآية الكريمة قول عدي بن زيد العبادي: [المتقارب]

أكلّ امرئ تحسبين امرأ... ونار توقّد باللّيل نارا؟

الإعراب: {ما}: نافية. {كانَ}: ماض ناقص. {لِنَبِيٍّ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {كانَ،} واسمه محذوف يفهم من المقام، التقدير: ما كان لنبي أخذ الفداء، انظر الشرح يظهر لك ذلك جليا. {كانَ}: حرف مصدري ونصب. {يَكُونَ}: مضارع ناقص منصوب

<<  <  ج: ص:  >  >>