للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعهود استعارة، وانظر الآية رقم [١٠٢] الأعراف. {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ}: عابوا دينكم بصريح التكذيب، وتقبيح الأحكام، أو قدحوا في أصوله وقواعده، هذا؛ ومضارع طعن: يطعن، بضم عين المضارع في كل ما هو حسي كيطعن في الرمح ونحوه، وأما المعنوي كيطعن في النسب أو في الدين فهو بفتح العين، وأجاز الفراء فتح العين فيه في جميع تصرفاته ومعانيه لمكان حرف الحلق، أي: فهو من الباب الثالث لوجود حرف الحلق فيه، وهو العين. هذا؛ والطعن المعنوي استعارة من الحسي كما هو ظاهر، {فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} أي: فقاتلوهم، فوضع الاسم الظاهر مكان الضمير للدلالة على أنهم صاروا بذلك ذوي الرئاسة، والتقدم في الكفر أحقاء بالقتل.

وما نقله الخازن عن ابن عباس-رضي الله عنهما-من أن الآية نزلت في زعماء قريش يبعده أن نزولها في السنة التاسعة، وكانت شوكة قريش في تلك السنة قد قضي عليها، فلم يبق منهم إلا مسلم أو مسالم بعد فتح مكة، فعلى هذا يكون كل من نقض العهد، وتبعه غيره في ذلك يكون من أئمة الكفر. {إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ} أي: لا عهود لهم بمعنى: لا وفاء لهم بالعهود والمواثيق، وقرئ بكسر الهمزة بمعنى: لا دين لهم ولا تصديق، وهو بفتح الهمزة جمع: يمين، والمراد به: الحلف بالله، أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه، واليمين أيضا اليد اليمنى، وتجمع أيضا على أيمان، كما في قوله تعالى: {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} وهو كثير في القرآن الكريم. {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ}: عن كفرهم ومعاداتهم للإسلام وأهله، والمعنى: ليكن غرضكم، وغايتكم من قتالهم انتهاءهم عما هم عليه؛ لا مجرد إيذائهم، كما هو شأن المؤذين، وانظر مثل هذا الترجي في الآية رقم [٥٨] الأنفال. هذا؛ وأئمة جمع: إمام، وهو من يقتدى به في فعل الخير، وقد يكون قدوة في الشر، فهنيئا للأول، وويل للثاني، والمراد به هنا: زعماء الكفار ورؤساؤهم، وأصله أأممة مثل: خباء وأخبية، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الساكنة، وأدغمت في الميم الأخرى، فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الأصل، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها المنقولة إليها، ولا يجوز هنا أن تجعل بين بين، كما جعلت همزة أإذا؛ لأن الكسرة هنا منقولة، وهناك أصلية، ولو خففت الهمزة الثانية هنا على القياس، لكانت ألفا؛ لانفتاح ما قبلها، ولكن ترك ذلك لتتحرك حركة الميم في الأصل، وفيها ثلاث قراءات مشهورة.

تنبيه: استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين؛ إذ هو كافر، والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله، واستقامة فروعه، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من سب النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه القتل. انتهى. قرطبي. أقول: سواء أكان من المسلمين أم من الكافرين يقتل، واختلفوا إذا سبه، ثم أسلم تقية من القتل، فقيل: يسقط بإسلامه قتله؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب، قال الله عز وجل {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} وقيل: لا يسقط الإسلام قتله.

<<  <  ج: ص:  >  >>