تنبيه: بين الله جلت قدرته: أنه يجب تحمل جميع المضار في الدنيا ليبقى الدين سليما، وأخبر: أنه إن كانت رعاية المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعة الله وطاعة رسوله ومن المجاهدة في سبيل الله، فأنتم مهددون بما تستحقون من الانتقام. (آباء وأبناء): أصلها آباو، وأبناو تبعا لأصل مفردهما، فقل في إعلالهما: تحركت الواو وانفتح ما قبلهما فقلبت ألفا، ولم يعتد بالألف الزائدة؛ لأنها حاجز غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية همزة، {وَأَزْواجُكُمْ}: جمع زوج، وانظر الآية رقم [١٩](الأعراف). {وَعَشِيرَتُكُمْ}:
وقرئ «عشيراتكم»، و «عشائركم»، أي: بالجمع، هذا؛ والعشيرة: أقرباء الإنسان الذين يعيشون معه، ويعاشرونه.
ومن الجدير بالذكر: أن العشيرة آخر طبقة من الطبقات السبع التي عليها العرب، وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ، والفصيلة والعشيرة، فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، والفصيلة تجمع العشائر، وليس بعد العشيرة شيء يوصف عند العرب، واستحدث اسم الأسرة والعائلة لما يشمل الزوج والزوجة وأولادهما الذين يعيشون في دار واحدة، وأخيرا سمع قول العلي القدير:{يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. {وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها}: اكتسبتموها، واقترف الذنب: عمله، وانظر {وَأَمْوالٌ} في الآية رقم [٢٨] من سورة (الأنفال). {وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها}: تخافون عدم نفادها وعدم بيعها، ومن الغريب ما نقله القرطبي عن ابن المبارك، أنه قال: هي البنات، والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا، قال الشاعر:[المتقارب]
كسدن من الفقر في قومهنّ... وقد زادهنّ مقامي كسودا
أقول: لم يذكر الشاعر التجارة، وإنما ذكر الكساد وحده، وهو لا يتضمن معنى التجارة لا من قريب، ولا من بعيد. {وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها} أي: تعبتم في بنائها، وتجدون فيها راحتكم، وسروركم. {أَحَبَّ}: أفعل تفضيل، أصله: أحبب، فنقلت فتحة الباء الأولى، إلى الحاء بعد سلب سكونها، ثم أدغمت الباء في الباء، وقد يقال فيه: حب، انظر الآية رقم [١٢] من سورة (الأعراف) تجد ما يسرك.
{اللهِ وَرَسُولِهِ}: انظر الآية رقم [١] الأنفال والآية رقم [١٢] بعد هذا خذ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
«لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتّى يحبّ في الله، ويبغض في الله، حتى يحبّ في الله أبعد الناس، ويبغض في الله أقرب الناس إليه». انتهى. كشاف. {الْفاسِقِينَ} أي: الذين يخالفون أوامر الله ورسوله، وانظر الآية رقم [١٤٥] من سورة (الأعراف). ومعنى {لا يَهْدِي} لا يوفق إلى الإيمان، ولا إلى العمل الصالح، وهذا يرجع إلى علمه الأزلي بأنهم لو تركوا وشأنهم لما