حالا من المسكين عندنا معاشر الشافعية، ويدل عليه قوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ..}. إلخ فسماهم مساكين مع كونهم يملكون سفينة يتجرون فيها، وينقلون بضائع للناس من صقع إلى صقع، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل المسكنة، ويتعوذ بالله من الفقر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«اللهمّ أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة». رواه الترمذي، فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير، لما تعوذ من الفقر، وسأل المسكنة.
{وَالْعامِلِينَ عَلَيْها}: هم السعاة الذين يتولون جباية الصدقات، وقبضها من أهلها، ووضعها في جهتها، فيعطون من مال الزكاة بقدر أجورهم، سواء أكانوا فقراء، أم أغنياء، ولا يجوز أن يكونوا من بني هاشم، ولا من بني المطلب.
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}: هم قوم أسلموا، ونيتهم ضعيفة، لم يرسخ الإيمان في قلوبهم، وقد أعطى الرسول صلّى الله عليه وسلّم من غنائم هوازن: عيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس التميمي، والعباس بن مرداس السلمي، فقد أعطاهم صلّى الله عليه وسلّم لتقوى رغبتهم في الإسلام، ومن المؤلفة قوم أسلموا ونيتهم قوية في الإسلام، وهم أشراف في أقوامهم، مثل: عدي بن حاتم الطائي، والزبرقان بن بدر، فأعطاهم صلّى الله عليه وسلّم، تألفا لقومهم، وترغيبا لأمثالهم في الإسلام.
{وَفِي الرِّقابِ} أي: وفي فك الرقاب، ويكون بأمور: بمعاونة المكاتبين على تحرير أنفسهم من الرق، وهذا لا وجود له اليوم، وقيل: بشراء العبيد وإعتاقهم، ويكون بفك الأسرى من يد الكفار، وهذا لا ينعدم في كل زمان ومكان.
{وَالْغارِمِينَ}: جمع غارم، وهم قسمان: قسم ادّانوا لأنفسهم في غير معصية، فيعطون بقدر ديونهم إذا لم يجدوا وفاء، وقسم ادّانوا في المعروف، وإصلاح ذات البين، كأن تحمل أحدهم دية قتيل، أو قتلى لتسكين الفتنة، وقطع دابر الشر، فيعطون من مال الصدقات ما يقضي ديونهم، وإن كانوا أغنياء، أما من كان دينه في معصية فلا يعطى من الصدقات شيئا.
{وَفِي سَبِيلِ اللهِ} أي: وفي النفقة في سبيل الله، والمراد به: الغزاة، فلهم سهم من مال الصدقات، فيعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ما يستعينون به على أمر الجهاد. وإن كانوا أغنياء، وأجاز بعض الفقهاء صرف سهم سبيل الله إلى جميع وجوه الخير، من تكفين الموتى، وبناء الجسور والحصون، وعمارة المساجد، وغير ذلك، والقول الأول هو المعتمد لإجماع الجمهور عليه.
{وَابْنِ السَّبِيلِ} أي: المسافر من بلد يعطى من مال الصدقات ما يكفيه لمئونة سفره حتى يصل بلده، وهذا إذا لم يكن معه مال يوصله إلى مقصده، وإن كان له مال كثير في بلده، وانظر شرح (سبيل) في الآية رقم [١٤٢](الأعراف).