{وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ}: ولنعملن في ذلك المال ما يعمله الصالحون بأموالهم من صلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران... إلخ.
تنبيه: نزلت الآية الكريمة، وما بعدها في ثعلبة بن حاطب، أحد المنافقين في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان ثعلبة فقيرا، وكان يحضر الصلوات الخمس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويحضر مواعظه وإرشاداته، لذا كان يطلق عليه حمامة المسجد.
قال ذات يوم للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ادع الله أن يرزقني مالا، فقال له سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق:«ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه». ثم عاد ثانيا: فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضى أن تكون مثل نبيّ الله، لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا لسارت». ثم أتاه بعد ذلك، فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالا، والذي بعثك بالحق، لئن رزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه! فدعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاتخذ غنما، فنمت كما تنمي الدود، فضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها، ونزل واديا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويصلي سائر الصلوات في غنمه، ثم نمت وكثرت، فتباعد عن المدينة، فصار لا يشهد إلا الجمعة. ثم كثرت، حتى تباعد عن المدينة، حتى صار لا يشهد جمعة، ولا جماعة، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«يا ويح ثعلبة!». ثلاثا، فلما أنزل الله آية الصدقة بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلين يأخذان الزكاة من المسلمين، وقال لهما:«مرا بثعلبة، وبفلان، رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما».
فأتيا ثعلبة فسألاه الصدقة، وأقرءاه كتاب رسول الله، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إلي، فانطلقا إلى السلمي، فأخذ خيار غنمه، وإبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأياها، قالا: ما هذه عليك، قال: خذاها، فإن نفسي بذلك طيبة، فمرا على الناس، وأخذا الصدقات.
ثم رجعا إلى ثعلبة، فسألاه زكاة ماله، فقال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، فرجعا إلى المدينة، فلما رآهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال قبل أن يتكلما:
«يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة!». فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والسلمي، فدعا للسلمي بخير، فأنزل الله الآية، وما بعدها إلى قوله:{وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ،} وعند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: ويحك يا ثعلبة! لقد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة، وأخذ معه غنيمات حتى أتى سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق، فسأله أن يقبل منه ما أتى به.
فقال:«إنّ الله منعني أن أقبل منك صدقتك». فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني». فرجع إلى غنمه خائبا، فلما قبض