للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملابسة. وقيل: لما كانت ملّتهم واحدة، وأمرهم واحد، وكانوا في الأمم كالشّخص الواحد؛ جعل قتل بعضهم بعضا، وإخراج بعضهم بعضا قتلا لأنفسهم، ونفيا لهم، وقد قال نبيّنا المعظم صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم». وهو يريد دماء وأموال المؤمنين؛ لأن المؤمنين إخوة، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى». وفي رواية: «إن اشتكى عينه؛ اشتكى كلّه، وإن اشتكى رأسه؛ اشتكى كلّه». هذا؛ والسّفك: الصّبّ، والإراقة، ولا يستعمل إلا في الدّم، قال في المصباح: وسفك الدّم: أراقه، وبابه ضرب، وانظر شرح الدم في الآية رقم [٣٠]. {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} أي: بالميثاق، واعترفتم بلزومه. {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:} على أنفسكم بذلك.

هذا؛ والخطاب للأبناء بما فعل آباؤهم، والغرض من ذلك توجيه التوبيخ والتقريع إليهم لما بينهم وبين أصولهم من الخبث، والمكر، والخداع، ومخالفة أوامر الله، ومخالفة رسله، ومعناه: أنتم تشهدون على أسلافكم بما قبلوا، وأقرّوا به.

هذا؛ و {دِيارِكُمْ} جمع: دار، وهي مؤنثة وقد تذكر، وهي منزل الإنسان ومسكنه، أصلها:

«دور» بفتحتين، قلبت الواو ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وجمعها: ديار، دور، وأدؤر، وأدور،، أدورة، وأدوار، ودورات، وديارات، ودوران، وديران، وأصل: ديار: دوار، وأدور، قلبت الواو ياء؛ لأنها وقعت عينا في جمع على وزن فعال لمفرد اعتلّت عينه بالقلب. هذا؛ والدار أيضا: البلد، والقبيلة، ودار القرار: الآخرة، والداران: الدنيا، والآخرة، ودار الحرب:

بلاد العدو. هذا؛ وقال أبو حاتم: إنّ الديار العساكر، والخيام، لا البنيان، والعمران، وإن الدّار البنيان، والعمران، وعليه قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في عساكرهم، وخيامهم ميتين، وقال جلّ شأنه: {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في مدينتهم المعمورة، ولو أراد غير ما قيل؛ لجمع الدار، فعلم من كلامه: أنّ الديار مخصوصة بالخيام. انتهى. قال صاحب الخزانة: وهذه غفلة عن قول الشّاعر، وهو مجنون ليلى: «أقبّل ذا الجدار» وهو حائط البيت، وذلك في قوله، وهو الشاهد رقم [٩٠٣] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الوافر]

أمرّ على الدّيار ديار ليلى... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا

وما حبّ الدّيار شغفن قلبي... ولكن حبّ من سكن الدّيارا

الإعراب: {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ:} هذا الكلام معطوف على مثله في الآية السابقة، وهو مثله في إعرابه. {لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ:} إعرابها ومحلها مثل: {لا تَعْبُدُونَ..}. في الآية السابقة. {وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ:} معطوفة على ما قبلها، وهي مثلها في إعرابها، ومحلّها. {أَقْرَرْتُمْ:}

فعل وفاعل، والجملة الفعلية قيل: معطوفة على جملة محذوفة: التقدير: قبلتم، ثمّ أقررتم.

وقيل: هي معطوفة على جملة: {أَخَذْنا} فتكون في محل جرّ مثلها. {وَأَنْتُمْ:} الواو: واو

<<  <  ج: ص:  >  >>