للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جَزاءُ..}. إلخ: فما عقوبة؟. {خِزْيٌ:} ذلّ، وهوان، وقد خزوا في الدنيا بقتل بني قريظة، ونفي بني النّضير إلى الشام، وضرب الجزية عليهم. والإخزاء: هو الإذلال، قال ذو الإصبع العدواني شاعر جاهليّ: [البسيط]

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني

وهذا هو الشاهد رقم [٢٦٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». ومنه قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه-يخاطب به من شجّ وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد: [الطويل]

فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك... ولقّاك قبل الموت إحدى الصّواعق

مددت يمينا للنّبيّ تعمّدا... ودمّيت فاه قطّعت بالبوارق

وهو على هذا من الرّباعي من: أخزى، يخزى، وهو من الثلاثي: خزى، يخزي بمعنى استحيا، وخجل، قال نهشل بن حري الدّارمي من قصيدة يرثي بها أخاه مالكا، وكان قد قتل بصفّين مع الإمام عليّ كرّم الله وجهه: [الطويل]

أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

وهذا هو الشاهد رقم [٣٢٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، وقال ذو الرّمة: [البسيط]

خزاية أدركته بعد جولته... من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب

{وَيَوْمَ الْقِيامَةِ} أي: يوم يقوم الناس من قبورهم للحساب، والجزاء. {يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ} أي: في جهنّم يصلونها، وبئس المصير.

تنبيه: قال السّدي-رحمه الله تعالى-: إنّ الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة ألا يقتل بعضهم بعضا، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم، وأيّما عبد، أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل، فاشتروه، وأعتقوه، وكانت قريظة حلفاء الأوس، وبنو النّضير حلفاء الخزرج حين كان بينهما ما كان من العداوة والشّنآن، فكان كلّ فريق يقاتل مع حلفائه، فإذا غلبوا؛ خرّبوا ديارهم، وأخرجوهم منها، ثم إذا أسر رجل من الفريقين؛ جمعوا له مالا، فيفدونه، فعيّرتهم العرب، وقالت لهم: كيف تقاتلونهم، ثم تفدونهم؟! فيقولون أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم، ولكنّا نستحيي أن تذل حلفاؤنا، فذمّهم الله على هذه المناقضة، انتهى. جمل بحروفه.

قال القرطبي: قال علماؤنا: كان الله تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أساراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخا يتلى، فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}. قلت: ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن، فتظاهر بعضنا على بعض، ليت بالمسلمين، بل بالكافرين، حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>