للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا»، فأنزل الله: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ..}. إلخ الآية التالية، وانظر قصة أبي لبابة في الآية رقم [٢٧] من سورة (الأنفال).

{اِعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ}: أقروا بذنبهم، وفيه لطيفة، وهي أنهم لم يعتذروا عن تخلفهم بأعذار باطلة كغيرهم، من المنافقين، وهل يكون مجرد الاعتراف بالذنب توبة؟ كلا، لا يكون؛ لأن التوبة النصوح المقبولة، يجب أن تتوافر فيها ثلاثة أمور، إن كانت من حق الله تعالى: الاستغفار باللسان، والندم بالجنان، والإقلاع بالأركان، وإن كانت من حق العباد يجب رد الحقوق لأصحابها بحسب الإمكان، فإذا لم يرد المظالم لأهلها، لا تقبل توبته، وإن تاب ألف توبة.

{خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}: العمل الصالح: هو الاعتراف بالذنب وتوبتهم منه، وقيل: هو الخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سائر الغزوات، والعمل السيئ: هو تخلفهم عنه في غزوة تبوك، وقيل: إن العمل الصالح يعم جميع أعمال البر والطاعة، والسيئ بضده، وعليه تكون الآية في حق جميع المسلمين، والحمل على العموم أولى؛ لأن خصوص السبب لا يمنع التعميم، فقد روى الطبراني عن أبي عثمان، قال: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله تعالى:

{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ}. ولا تنس أن قوله: {خَلَطُوا..}. إلخ إنما هو استعارة تبعية بالفعل لأن الخلط يكون في المحسوسات: {عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}: فعسى هنا للتأكيد لتحقيق الوقوع إن شاء الله تعالى، وهو ما يفيده قوله جل شأنه: {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

الإعراب: {وَآخَرُونَ}: معطوف على منافقون، أو على (قوم) المحذوف، وتقدير الكلام:

وممن حولكم آخرون، أو ومن أهل المدينة آخرون، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما يأتي، فهو مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {اِعْتَرَفُوا}: فعل وفاعل، والألف للتفريق، {بِذُنُوبِهِمْ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء: في محل جر بالإضافة، وجملة: {اِعْتَرَفُوا..}. إلخ في محل رفع صفة (آخرون)، وجملة: {خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً} في محل رفع خبر (آخرون)، على اعتباره مبتدأ، أو هي في محل نصب حال من واو الجماعة على اعتباره معطوفا على ما قبله، والرابط: الضمير فقط، و (قد) قبلها مقدرة. {وَآخَرَ}: معطوف على {عَمَلاً}. {سَيِّئاً}: صفته. {عَسَى}: فعل ماض جامد مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {اللهُ}: اسمه، والمصدر المؤول من {أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} في محل نصب خبر {عَسَى،} ويجب تأويله باسم الفاعل؛ لأن المصدر لا يخبر به عن الجثة، وجملة: {عَسَى اللهُ..}. إلخ، مستأنفة لا محل لها، أو هي في محل رفع خبر المبتدأ (آخرون):

واعتبار جملة: {خَلَطُوا..}. إلخ حالا، والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تعليل للرجاء.

تأمل، وتدبر، والله أعلم، وأجل، وأكرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>