للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «سياحة أمّتي الصّيام».

شبه الصيام بالسياحة من حيث إنه يعوق عن الشهوات، أو لأنه رياضة نفسانية، يتوصل بها إلى الاطلاع على خفايا الملك والملكوت، أو {السّائِحُونَ} للجهاد، أو لطلب العلم. {الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ} أي: يديمونها في صلاة الفرض والنوافل على اختلاف أنواعها ومراتبها. {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} أي: بفعل الخير من إيمان بالله وامتثال أوامره. {وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}: من كفر بالله، ومخالفة أوامره، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٧١]، {وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ} أي:

القائمون بأداء جميع ما أمر الله به، المنتهون والمبتعدون عن كل ما نهى الله عنه، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: القائمين بما ذكر، أو الموصوفين بتلك الصفات العظيمة، ووضع الظاهر موضع الضمير للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك، وحذف المبشر به للتعظيم، فكأنه قال: وبشرهم بما يجل عن إحاطة الأفهام، وتعبير الكلام. انتهى.

بيضاوي.

تنبيه: اختلف أهل التأويل في هذه الآية، هل هي متصلة بما قبلها، أو منفصلة عنها، فقال الفراء: استؤنف لفظ التائبون بالرفع لتمام الآية الأولى، وانقطاع الكلام، وقال الزجاج:

{التّائِبُونَ} رفع بالابتداء وخبره مضمر، والمعنى: التائبون إلى الله العابدون... إلخ لهم الجنة أيضا، وإن لم يجاهدوا، غير معاندين، ولا قاصدين بترك الجهاد، وهذا؛ وجه حسن، فكأنه وعد بالجنة جميع المؤمنين، كما قال تعالى: {وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى،} وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٥] من سورة (النساء)، ومن جعله تابعا للأول كان الوعد بالجنة خاصا بالمجاهدين الموصوفين بهذه الصفات، فيكون رفع {التّائِبُونَ} على المدح، يعني المؤمنين المذكورين في قوله {إِنَّ اللهَ اشْتَرى..}. إلخ، انتهى. خازن.

أقول: ويؤيد هذا قراءة «(التائبين، العابدين...)» إلخ بالياء نصبا على المدح بفعل محذوف، أو جرا صفة للمؤمنين.

تنبيه: واختلف العلماء في الواو في قوله {وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ،} فقيل: دخلت في صفة الناهين، كما دخلت في قوله تعالى: {حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ}. فذكر بعضها بالواو، والبعض بدونها، وهذا سائغ معتاد في الكلام، ولا يطلب لمثله حكمة ولا علة، وقيل: دخلت لمصاحبة الناهي عن المنكر الآمر بالمعروف، فلا يكاد يذكر واحدا منهما مفردا، وكذلك قوله تعالى: {ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً} من سورة التحريم، ودخلت في {وَالْحافِظُونَ} لقربه من المعطوف، وقد قيل: إنها زائدة، وهذا ضعيف لا معنى له، وقيل: هي واو الثمانية؛ لأن السبعة عند العرب عدد كامل صحيح، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٨٠] وكذلك قالوا في آية التحريم، وآية الزمر: {وَفُتِحَتْ أَبْوابُها،} وفي آية الكهف: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ}

<<  <  ج: ص:  >  >>