وانظر (استغفروا) في الآية رقم [٨٠]، {وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى}: أصحاب قرابات، آباء، أو أمهات... إلخ، وانظر شرح {أُولِي} في الآية رقم [٧٥]، من سورة (الأنفال)، {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ}: ظهر لهم واتضح، وانظر الآية رقم [٤٣]، {الْجَحِيمِ}: النار الشديدة.
روى مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه-رضي الله عنهما-، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله:«يا عمّ، قل: لا إله إلاّ الله كلمة أشهد لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله بن المغيرة: أترغب يا أبا طالب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل الرسول العظيم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال لهم أبو طالب آخر ما كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم:«أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه». فأنزل الله الآية الكريمة، وأنزل في شدة حرصه صلّى الله عليه وسلّم على إسلام أبي طالب:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}.
هذا؛ وقد استبعد بعضهم نزول هذه الآية في شأن أبي طالب، وذلك لأن وفاته كانت في مكة أول الإسلام، وهذه السورة آخر ما نزل من القرآن في المدينة المنورة، وأجيب بأنه لما نزلت الآية {إِنَّكَ لا تَهْدِي..}. إلخ في مكة، وفي حياة أبي طالب، فقال عليه الصلاة والسّلام ما تقدم في الحديث، فيحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يستغفر له في بعض الأوقات إلى أن نزلت هذه الآية، فمنع من الاستغفار، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. انتهى. خازن بتصرف كبير.
وهناك أحاديث كثيرة تبين أن أبا طالب خالد في النار، ولكن يخفف عنه العذاب بسبب ما صنع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذبّ عنه، وحماية له، فخذ هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي عليه الصلاة والسّلام، وذكر عنده عمه أبو طالب، فقال:«لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه، تغلي منه أمّ دماغه»، وفي رواية «يغلي منه دماغه من حرارة نعليه». متفق عليه.
تنبيه: وقيل: لما فتح الرسول صلّى الله عليه وسلّم مكة المكرمة، خرج إلى الأبواء، فزار قبر أمه، ثم قام مستعبرا، فقال:«إنّي استأذنت ربّي، في زيارة قبر أمّي، فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها، فلم يأذن لي، وأنزل عليّ الآيتين». رواه أبو هريرة وغيره مع اختلاف في بعض الألفاظ.
وقال قتادة: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لأبي، كما استغفر إبراهيم لأبيه». فأنزل الله الآية، وروى الطبراني بسنده عنه، قال: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا نبي الله! إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الأرحام، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ فقال عليه الصلاة والسّلام:«بلى والله لأستغفرنّ لأبي، كما استغفر إبراهيم لأبيه».