للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرهم، وهم المرجون لأمر الله، وقيل: المعنى تركوا أو أخروا عن المنافقين، فلم يحكم فيهم بشيء. {حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ} أي: بما اتسعت؛ لأنهم كانوا مهجورين، لا يعاملون، ولا يكلمون، وفي هذا دليل على هجران أهل المعاصي حتى يتوبوا. {وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} أي: ضاقت صدورهم بالهم والوحشة، وبما لقوه من الصحابة من الجفوة.

{وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاّ إِلَيْهِ} أي: تيقنوا أن لا ملجأ يلجئون إليه في الصفح عنهم، وقبول التوبة منهم إلا إلى الله، {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا..}. إلخ فبدأ بالتوبة منه، أي: قبولها، ترغيبا لهم ولأهل المعاصي في الرجوع إليه، وانظر الآية رقم [١٠٤] لشرح {التَّوّابُ،} وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والفضل والإحسان، وأنه لا يجب عليه سبحانه شيء.

قال أبو زيد رحمه الله تعالى: غلطت في أربعة أشياء، في الابتداء مع الله تعالى، ظننت أني أحبه، فإذا هو أحبني، قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وظننت أني أرضى عنه، فإذا هو رضي عني، قال تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وظننت أني أذكره، فإذا هو يذكرني، قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ}. وظننت أني أتوب، فإذا هو قد تاب علي، قال تعالى: {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا..} ..

بعد هذا فإني أذكر لك ما حدّث به كعب بن مالك رضي الله عنه عن نفسه، وعن صاحبيه، وقد روى حديثه البخاري، ومسلم، وغيرهما.

قال: -رضي الله عنه-وهذا الحديث رواه عنه ابنه عبد الله-رضي الله عنهم أجمعين-: لم أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك: أني لم أكن قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة.

والله، ما جمعت قبلها راحلتين قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز، واستقبل عدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم، ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ، -يريد بذلك الديوان-قال كعب. فقلّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثمار، والظلال، فأنا إليها أصعر-أميل-ليجهز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي

<<  <  ج: ص:  >  >>