للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ياء. لوقوعها رابعة، واشتقاقه من: قفوته، إذا اتّبعت قفاه، ثم اتّسع فيه، فأطلق على كل تابع، وإن بعد زمان التابع من زمان المتبوع. والقفا: مؤخر العنق، ويقال له: القافية أيضا، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشّيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد». رواه الشّيخان، وغيرهما.

ومنه قافية الشّعر، وهي آخر حرف من البيت، سمّيت بذلك؛ لأنها تتلو، وتتبع ما قبلها من أبيات. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة الحديد رقم [٢٧]: {ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

{وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ:} الحجج، والمعجزات، وهي إبراء الأكمه، والأبرص وإحياء الميّت، وغير ذلك، ممّا ذكر في: (آل عمران) و (المائدة)، {وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ:}

وقويناه بجبريل عليه الصلاة والسّلام، رواه أبو مالك، وأبو صالح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-ومعمر بن قتادة، وقال حسّان-رضي الله عنه-: [الوافر]

وجبريل رسول الله فينا... وروح القدس ليس به خفاء

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: إنّما سمّي جبريل روح القدس؛ لأن القدس هو الله، وروحه: بجبريل، فالإضافة للتّشريف، وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: وما يدل على أن روح الله القدس بجبريل قوله تعالى في سورة (النّحل): {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}.

وقال النّحاس: سمّي جبريل روحا، وأضيف إلى القدس؛ لأنه كان بتكوين الله عز وجل له روحا من غير ولادة والد ولده، وكذلك سمي عيسى روحا لهذا، هذا؛ والقدس: الطهر، هذا؛ وعيسى مأخوذ من العيس، وهو بياض يخالطه شقرة، قاله أبو البقاء.

{أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ:} لا يوافق هواكم، ويلائمه. استكبرتم: عن إجابته، واتباعه، والأخذ بتعاليمه. انظر الآية رقم [٩١] الآتية: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ:} فكان ممّن كذبوه عيسى، ومحمّد عليهما ألف صلاة، وألف سلام. {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ:} وممن قتلوه يحيى، وزكريا، وغيرهما، هذا؛ والتّعبير بالمضارع بقوله تعالى: {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} لم يقل: قتلتم كما قال: {كَذَّبْتُمْ؛} لأنّ المضارع كما هو المألوف في أساليب البلاغة يستعمل في الأفعال الماضية التي بلغت من الفظاعة مبلغا عظيما، وكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السّامع، وجعله ينظر إليها بعينه، فيكون إنكاره لها أبلغ، واستفظاعه لها أعظم، ومنه قوله تعالى في سورة (الحج) رقم [٦٣]: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} فعبّر بالماضي، ثم قال: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} فعدل عنه إلى المضارع لتصوير اخضرارها في النفس، وعليه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي-رضي الله عنه-، يصور شجاعته، وجرأته: [الوافر]

فإنّي قد لقيت القرن يسعى... بسهب كالصّحيفة صهصهان

فآخذه فأضربه فيهوي... صريعا لليدين وللجران

<<  <  ج: ص:  >  >>