للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سورة (التوبة)، وقيل: يعود الضمير إلى القمر وحده؛ لأن سير القمر في المنازل أسرع، وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين؛ لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة، والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية، ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٦] من سورة (الحجر) ففيها كبير فائدة. {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ}:

لتعرفوا حساب الشهور والأيام والسنين، وزيادتها، ونقصانها.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لو جعل شمسين شمسا بالنهار، وشمسا بالليل، ليس فيهما ظلمة ولا ليل، لم يعلم عدد السنين، وحساب الشهور، هذا؛ والسنين: جمع سنة، وهي الحول والعام. وأصلها سنة، أو سنو، وتصغيرها سنية وسنيهة وسنينة، وتجمع جمع المذكر السالم، سنون وسنين، وجمع المؤنث السالم سنوات وسنهات.

{ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ} أي: ما أراد الله عز وجل بخلق ذلك إلا الحكمة والصواب، إظهارا لصنعته وحكمته، ودلالة على قدرته وعلمه، {وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} فهذا هو الحق. {يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}: تفصيل الآيات تبيينها، وتوضيحها ليستدل بها على قدرته تعالى لاختصاص الليل بظلامه، والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما، ولا إيجاب، هذا؛ ويقرأ: {يُفَصِّلُ} بياء المضارعة، والنون مع نصب الآيات، كما يقرأ بتاء المضارعة، ورفع الآيات، وخص القوم الذين يعلمون بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بالتأمل بتلك الآيات.

هذا؛ و (جعل) يأتي بمعنى: خلق وأنشأ.

قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-الفرق بين (خلق) و (جعل) الذي له مفعول واحد، أن الخلق فيه معنى التقدير، والجعل فيه معنى التضمين؛ ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمات بالجعل {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت المجوس. انتهى.

الإعراب: {هُوَ}: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي}: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبره، وجملة: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً}: صلة الموصول لا محل لها. {وَالْقَمَرَ نُوراً}: معطوفان على مفعولي {جَعَلَ،} وقيل: يجوز اعتبار {ضِياءً} حالا، واعتبار {جَعَلَ} بمعنى (خلق) نصب مفعولا واحدا، والتقدير: خلق الشمس ذات ضياء، فيكون تقدير: القمر ذا نور. {وَقَدَّرَهُ}: ماض، والفاعل يعود إلى الله، والهاء مفعول به على التوسع، و {مَنازِلَ}: ظرف مكان، أو هو منصوب بنزع الخافض، وقيل: التقدير: قدره ذا منازل، فيكون الفعل (قدر) قد نصب مفعولين، وعلى اعتبار الضمير منصوبا بنزع الخافض، فيكون {مَنازِلَ} مفعولا به، والجملة الاسمية: {هُوَ الَّذِي..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.

{لِتَعْلَمُوا}: مضارع منصوب ب‍ «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في

<<  <  ج: ص:  >  >>