للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها ذهب وفضة، وزبرجد، وياقوت. {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}: يقرأ الفعل بضم الياء وفتحها، والمعنى أعطيتهم النعم المذكورة ليشكروها، ويتبعوا دينك، فكان عاقبة أمرهم: أنهم كفروها وضلوا عن سواء السبيل، وقيل: هو دعاء عليهم بالإضلال بما عرف من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غير ما حصل منهم، وقيل: المعنى: ربنا إنك جعلت هذه النعم سببا لضلالهم؛ لأنهم بطروا وطغوا في الأرض، واستكبروا عن الإيمان. {اِطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ}: الطمس: إزالة الشيء بالمحو، والمعنى: أزل صور أموالهم وهيئاتها، قال قتادة: بلغنا أن أموالهم، وحروثهم، وزروعهم، وجواهرهم صارت حجارة، وقيل غير ذلك. {وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}: اطبع عليها وقسها حتى لا تلين، ولا تنشرح للإيمان. {فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ}: فلا يحصل منهم إيمان حتى يبصروا بأعينهم العذاب الموجع المؤلم، وهو الغرق، ولكن لم ينفعهم الإيمان شيئا حين شاهدوا العذاب، كما ستعرفه قريبا. هذا؛ وكان موسى يدعو، وأخوه هارون يؤمن على دعائه، عليهما الصلاة والسّلام.

تنبيه: قد يشكل على القارئ كيف دعا موسى عليه السّلام على قومه بما رأيت، ووظيفة الرسل استدعاء قومهم إلى الإيمان، وترغيبهم فيه، والجواب: أن موسى عليه السّلام إنما دعا عليهم بإذن الله، وإعلام منه تعالى: أنه ليس فيهم من يؤمن، ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله، دليله قوله تعالى لنوح عليه السّلام: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ} وعند ذلك دعا على قومه فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَقالَ مُوسى}: فعل وفاعل، {رَبَّنا}: منادى حذف منه أداة النداء، و (نا): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {إِنَّكَ}: حرف مشبه بالفعل، والكاف في محل نصب اسمها. {آتَيْتَ}: فعل وفاعل. {فِرْعَوْنَ}: مفعول به أول {وَمَلَأَهُ}: معطوف على {فِرْعَوْنَ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {زِينَةً}: مفعول به ثان.

{وَأَمْوالاً}: معطوف على {زِينَةً}. {فِي الْحَياةِ}: متعلقان بالفعل {آتَيْتَ} أو هما متعلقان بمحذوف صفة: {زِينَةً وَأَمْوالاً}. {الدُّنْيا}: صفة {الْحَياةِ} مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر، وجملة: {آتَيْتَ..}. إلخ في محل رفع خبر (إن)، والجملة الاسمية:

{إِنَّكَ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {وَقالَ مُوسى..}. إلخ معطوفة على جملة:

{وَأَوْحَيْنا..}. إلخ لا محل لها أيضا. {رَبَّنا}: توكيد للسابق. {لِيُضِلُّوا}: لقد اختلف في هذه اللام، وأصح ما قيل فيها: إنها لام العاقبة، والصيرورة، وهو قول الخليل وسيبويه، وقيل: هي لام التعليل، وقيل: هي لام أجل، أي: أعطيتهم لأجل إعراضهم عنك، وعلى هذه الأقوال الثلاثة فالفعل منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان

<<  <  ج: ص:  >  >>