تهدكم، كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغيرها، وقيل: هذا من باب القلب، والأصل: فعميتم أنتم عنها، وقرئ الفعل بالتخفيف، والبناء للمعلوم. {أَنُلْزِمُكُمُوها}: أنجبركم على قبولها، الهاء عائدة على الرحمة، والمعنى: أنكرهكم أيها القوم على قبول الرحمة؟! وقد اجتمع ضميران منصوبان، ضمير خطاب وضمير غيبة، والأول أعرف، فيجوز في مثل ذلك الفصل، والوصل، قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته:[الرجز]
وصل أو افصل هاء سلنيه وما... أشبهه في كنته الخلف انتمى
{وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}: لا تختارونها، ولا تتأملون فيها، وليس لي أن أضطركم إلى ذلك، قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله؛ لألزمها قومه، ولكنه لم يملك ذلك.
(قوم): اسم جمع لا واحد له من لفظه، مثل رهط ومعشر، وهو يطلق على الرجال دون النساء، بدليل قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} وقال زهير بن أبي سلمى المزني: [الوافر]
وما أدري وسوف إخال أدري... أقوم آل حصن أم نساء؟
وربما دخل فيه النساء على سبيل التبع للرجال، كما في إرسال الرسل لأقوامهم؛ إذ إن كل لفظ (قوم) في القرآن الكريم، إنما يراد به الرجال والنساء جميعا.
{كُنْتُ}: أصله كونت، فقل في إعلاله: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار: كانت، فالتقى ساكنان: الألف وسكون النون، فحذفت الألف، فصار:«كنت» بفتح الكاف، ثم أبدلت الفتحة ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار «كنت»، وهناك إعلال آخر، وهو أن تقول: أصل الفعل: كون، فلما اتصل بضمير رفع متحرك نقل إلى باب فعل فصار:
كونت، ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبلها، فصار (كونت) فالتقى ساكنان: العين المعتلة ولام الفعل فحذفت العين، وهي الواو لالتقائهما، فصار:(كنت) وهكذا قل في إعلال كل فعل أجوف واوي مسندا إلى ضمير رفع متحرك، مثل: قام وقال وغيرهما.
الإعراب:{قالَ}: ماض، وفاعله مستتر تقديره:«هو»، يعود إلى نوح. {يا قَوْمِ} يا: حرف نداء ينوب مناب: أدعو، أو أنادي. (قوم): منادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وحذف الياء هذه، إنما هو بالنداء خاصة؛ لأنه لا لبس فيه، ومنهم من يثبت الياء ساكنة، فيقول: يا قومي، ومنهم من يثبتها، ويحركها بالفتحة، فيقول: يا قومي، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ما قبلها، فيقول: يا قوما، ومنهم من يقول: يا قوم بضم الميم، ففيه خمس لغات، ويزاد سادسة، وهي حذف الياء بعد قلبها ألفا، وإبقاء الفتحة على الميم دليلا عليها، فتقول: يا قوم، والجملة الندائية في محل نصب مقول القول. {أَرَأَيْتُمْ} الهمزة: حرف استفهام، وتوبيخ وتقريع. رأيتم: فعل