من ذلك، وقيل: إنها قالت لإبراهيم عليه السّلام: اضمم إليك ابن أخيك لوطا، فإن العذاب نازل بقومه، فلما جاءت الرسل، وبشرت بعذابهم سرت سارة بذلك وضحكت لموافقة ما ظنت.
القول الثاني في معنى قوله: {فَضَحِكَتْ} قال عكرمة ومجاهد: أي: حاضت في الوقت، وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، قال الراغب: وقول من قال: حاضت ليس ذلك تفسيرا لقوله:
{فَضَحِكَتْ} كما تصوره بعض المفسرين، فقال: ضحكت بمعنى: حاضت، وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها، فإن جعل ذلك أمارة لها بما بشرت به، فحيضها في الوقت لتعلم أنّ حملها ليس بمنكر؛ لأن المرأة ما دامت تحيض، فإنها تحمل، وقال الفراء: ضحكت بمعنى: حاضت لم نسمعه من ثقة، وقال الزجاج: ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت، وقال ابن الأنباري: قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت، وقد عرفه غيرهم: [المديد]
تضحك الضبع لقتلى هذيل... وترى الذئب بها يستهلّ
قال: أراد أنها تحيض فرحا، وقال الأخطل فيه بمعنى الحيض: [الخفيف]
تضحك الضبع من دماء سليم... إذ رأتها على الحراب تمور
وقال في المحكم: ضحكت المرأة حاضت، وبه فسر بعضهم قوله سبحانه وتعالى:
{فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها..}. إلخ وضحكت الأرنب ضحكا يعني: حاضت حيضا، قال: [المتقارب]
وضحك الأرانب فوق الصّفا... كمثل دم الجوف يوم اللّقا
وقال البيضاوي: وقيل: (فضحكت) فحاضت، قال: [الطويل]
وعهدي بسلمى ضاحكا في لبابة... ولم تعد حقّا ثديها أن تحلّما
ومنه ضحكت السّمرة إذا سال صمغها، وأنشد على ذلك اللغويون: [الطويل]
وإنّي لآتي العرس عند ظهورها... وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
انتهى. خازن وبيضاوي وقرطبي بتصرف، ثم قال الخازن-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: أي:
القولين أصح، قلت: إن الله عز وجل حكى عنها: أنها ضحكت، وكلا القولين محتمل في معنى الضحك، فالله أعلم أي ذلك كان، وانظر تفسير {أَكْبَرْنَهُ} في الآية رقم [٣١] من سورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} أي: ومن بعد إسحاق يعقوب، وهو ولد الوالد، فبشرت سارة بأنها تعيش حتى ترى ولد ولدها، وكانت قد أيست من الولد لكبر سنها، فلما بشرت بالولد؛ صحكت وجهها، أي: ضربت وجهها، وقد صرحت بذلك آية الذاريات، وهو من صنيع النساء وعادتهن، وإنما فعلت ذلك تعجبا، وإنما خصت بالبشارة؛ لأن النساء أعظم سرورا بالولد من الرجال؛ ولأنه لم يكن لها ولد، وكان لإبراهيم ولد، وهو: إسماعيل.