وتطفيف، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام؛ أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يقدرون، وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص، وشححوا له بغاية ما يقدرون، فأمروا بالإيمان إقلاعا عن الشرك، وبالوفاء نهيا عن التطفيف. {إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ} أي: في سعة من الرزق وكثرة النعم، فلا تزيلوا هذه النعم عنكم بكفركم، وظلمكم غيركم. {وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} أي: يحيط بكم، فيهلككم جميعا وهو عذاب الاستئصال في الدنيا، أو هو عذاب الآخرة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
بعد هذا ف {مَدْيَنَ} هو اسم ابن إبراهيم الخليل، عليه السّلام، ثم صار اسما للقبيلة من أولاده، وهو المراد هنا، وانظر الآية [٣٥] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام، وقيل: هو في الأصل اسم مدينة بناها مدين المذكور، فعلى هذا يكون التقدير: وأرسلنا إلى أهل مدين، فحذف المضاف لدلالة الكلام، وكان شعيب عليه السّلام يقال له: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، وهو ابن ميكائيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، فهو أخوهم في النسب، والإقامة معهم في البلد. وقد أثبت عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: أن زمن شعيب كان قبل زمن موسى عليه السّلام، وإذا عرفت أن موسى تزوج بنت شعيب، كما ستعرفه في سورة (القصص) -إن شاء الله تعالى-ظهر لك: أنهما كانا في عصر واحد، وإن كان شعيب أسنّ من موسى بكثير عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. {وَلا تَنْقُصُوا}: انظر ما ذكرته في هذا الفعل في الآية رقم [٥٢]، {وَالْمِيزانَ}: أصله: الموزان، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، و {مُحِيطٍ} أصله: (محوط) لأنه من حاط يحوط، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى الحاء، فصار (محوط) ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة.
الإعراب:{وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} إعراب هذا الكلام مثل الآية رقم [٥٠] بلا فارق. {وَلا}: الواو: حرف عطف. (لا): ناهية.
{تَنْقُصُوا}: مضارع مجزوم ب (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، وهو ينصب مفعولين، الأول محذوف، التقدير:
ولا تنقصوا الناس. {الْمِكْيالَ}: مفعول به ثان، وهو في الأصل مجرور بحرف جر، التقدير: ولا تنقصوا من المكيال، وقدّر النسفي المكيل بالمكيال، ولا بأس به، ويجوز أن يكون المكيال المفعول الأول، والثاني محذوف، وفي ذلك مبالغة، والتقدير: ولا تنقصوا المكيال والميزان حقهما الذي وجب لهما، وهو أبلغ في الأمر بوفائهما. انتهى. جمل نقلا عن السمين. وجملة:{وَلا تَنْقُصُوا..}. إلخ معطوفة على جملة:{اُعْبُدُوا..}. إلخ فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {إِنِّي}: حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها.