للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجمع المذكر على المعنى، ولو عبر على اللفظ لقال: فأرسلت واردها، مثل وجاءت، وجمع وارد: وراد جمع تكسير، وواردون جمع تصحيح، وانظر الآية رقم [٩٨] من سورة (هود) تجد ما يسرك.

{فَأَدْلى دَلْوَهُ}: فأنزل دلوه في الجب ليملأه ماء، فتعلق به يوسف عليه السّلام، هذا؛ وجمع دلو في القلة أدل، فإذا كثرت؛ قلت: دليّ، ودليّ، فقلبت الواو ياء؛ لأن الجمع بابه التغيير، وجمعه المشهور: دلاء، هذا؛ والدلو ما يدلى لإخراج الماء، فإذا امتلأ ماء، قيل: ذنوب وسجل، وهذا له نظائر في اللغة، فالخوان ما يوضع عليه الطعام، فإذا وضع عليه، قيل: مائدة، ولا يقال: كأس إلا وفيها شراب، وإلا فهي قدح، ولا يقال: جراب إلا وهو مدبوغ، وإلا فهو إهاب، ولا يقال: قلم إلا وهو مبرى، وإلا فهو أنبوب.

{يا بُشْرى هذا غُلامٌ}: نادى البشرى بشارة لنفسه، أو لقومه، كأنه قال: تعالي، فهذا أوانك فاحضري، وقيل: هو اسم لصاحب له، ناداه ليعينه على إخراجه، وضعفه النحاس؛ لأنه لم يأت في القرآن تسمية أحد إلا يسيرا، وإنما يأتي بالكناية، وهو كثير، مثل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ} وهو عقبة بن أبي معيط، وبعده: {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً،} هذا؛ وقرئ:

«(يا بشراي)» و «(يا بشراي)»، «(يا بشريّ)». {وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً} أي: أخفاه الوارد، وأصحابه عن سائر الرفقة، وقيل: أخفوا أمره، وقالوا لهم: دفعه لنا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر، وقيل: الضمير يعود لإخوة يوسف، وذلك لأن يهوذا كان يأتيه بالطعام كل يوم، فأتاه يومئذ، فلم يجده في الجب، فأخبر إخوته، فأتوا الرفقة، وقالوا: هذا غلام لنا أبق منا، فاشتروه، فسكت يوسف عليه السّلام مخافة أن يقتلوه. {وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ}: عليم بما يعمل مالك؛ الذي وجده، وأصحابه الذين أخفوا أمره، أو عليم بصنيع إخوة يوسف بأبيهم، وأخيهم، وما أرادوا من إهلاكه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

تنبيه: لما أخرجوا يوسف من الجب؛ دهشوا لجماله، وكان أحسن ما يكون من الغلمان، وذكر البغوي بسند متصل: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطي يوسف شطر الحسن». ويقال: إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة، وكانت قد أعطيت سدس الحسن، وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار قال:

كان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العينين، مستوي الخلق، أبيض اللون، غليظ الساعدين، والعضدين، والساقين، خميص البطن، صغير السرة، وكان إذا تبسم رأيت النور من ضواحكه، وإذا تكلم رأيت شعاع النور من ثناياه، لا يستطيع أحد وصفه، وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان شبه آدم عليه السّلام يوم خلقه الله، ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية.

الإعراب: {وَجاءَتْ}: الواو: حرف استئناف. (جاءت): ماض، والتاء للتأنيث. {سَيّارَةٌ}:

فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. (أرسلوا): ماض والواو فاعله، والألف للتفريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>