{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ}: قيل: كانت سبعة، وتشديد اللام للتكثير، أو للمبالغة، وفعلت ذلك لشدة خوفها، ولأن مثل هذا لا يكون إلا في ستر، وخفية. {وَقالَتْ} أي: زليخا. {هَيْتَ لَكَ}: هلم، وأقبل، وتعال، وهو اسم فعل جامد لا يتصرف، قال النحاس: فيها سبع قراءات، فمن أجلّ ما فيها، وأصحّه إسنادا ما رواه الأعمش عن أبي وائل، قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ: {(هَيْتَ لَكَ)} أي: بفتح التاء، قال: فقلت: إن قوما يقرءونها «(هيتِ لك)» فقال: إنما أقرأ كما علمت، وقرئ «(هَيْتُ)» قال طرفة بن العبد: [الخفيف]
ليس قومي بالأبعدين إذا ما... قال داع من العشيرة هيت
فهذه ثلاث قراءات الهاء فيهن مفتوحة، وقرئ: «(هِيتُ لك)» و «(هِيتَ لك)» بكسر الهاء فيهما، وضم التاء أو فتحها، وقرئ: «(هِيتُ لك)» و «(هئت لك)» بكسر الهاء فيهما وسكون الهمزة. وضم التاء وفتحها، وقرئ أيضا: «(هَيْتِ لك)» كجير و «(هيّأت)» وأجودها أولها كما رأيت، قال شاعر يدعو علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العراق:[مجزوء الكامل]
أبلغ أمير المؤمني... ن أخا العراق إذا أتيت
إنّ العراق وأهله... سلم إليك فهيت هيت
بعد هذا قال مجاهد وغيره: هي لغة عربية، وقال غيره: هي لغة عبرانية، أو قبطية، فمن قال: إنها بغير لغة العرب، يقول: إن العرب وافقت أصحاب هذه اللغة، فتكلمت بها على وفق لغات غيرهم، كما وافقت لغة العرب الروم في القسطاس ولغة العرب الفرس في التنور، ولغة العرب الترك في الغساق، ولغة العرب الحبشة في ناشئة الليل، وبالجملة فإن العرب إذا تكلمت بكلمة صارت لغة لها، وانظر ما ذكرته في الآية [٢].
{قالَ مَعاذَ اللهِ}: أعوذ بالله، وأعتصم به، وألجأ إليه فيما دعوتني إليه، {إِنَّهُ رَبِّي} أي:
سيدي ومولاي العزيز قطفير. {أَحْسَنَ مَثْوايَ}: أكرمني، فلا أخونه بأهله، وقيل: إن الضمير في {إِنَّهُ رَبِّي} يعود إلى الله، والمعنى: إن الله تولاني بلطفه، حيث آواني إليكم، ومن بلاء الجب نجاني. {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ}: يعني إن فعلت هذا الفعل؛ فأنا ظالم، ولا يسعد الظالمون.
تنبيه: في الآية الكريمة معنى بلاغي عظيم، فإنّ استعمال الموصول في قوله:{الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها} يعطي معنى أرفع من التصريح باسمها زليخا؛ لأن وجوده في بيتها، وتحت إمرتها، وإغلاق الأبواب بإحكام يجعله في أمان تام، واطمئنان كامل من أن يطلع عليه أحد لو فعل معها الفاحشة، واستجاب لرغبتها، ومع ذلك فقد أعرض عنها، والله هو الذي تولاه بلطفه، وحماه من مواقعة الفاحشة.
الإعراب:{وَراوَدَتْهُ}: الواو: حرف استئناف. (راودته): ماض، والتاء للتأنيث، والهاء مفعول به. {الَّتِي}: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. {هُوَ}: ضمير منفصل مبني على