{كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ}: ما صح وما جاز لنا معاشر الأنبياء أن نتخذ مع الله إلها، أو نجعل له ندّا في العبادة، بعد أن اختارنا لنبوته، واصطفانا لرسالته، وإنما ذكر ذلك لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه، والوثوق به، فأظهر أنه من أهل بيت النبوة، وأن آباءه كلهم أنبياء، لهم الدرجة العليا في الدنيا عند الخلق، والمنزلة الرفيعة في السماء في الآخرة، ولذلك جوز للخامل المغمور أن يصف نفسه حتى يعرف، فيقتبس منه، وينتفع الناس به.
{ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النّاسِ} أي: ذلك التوحيد وعدم الإشراك، والنبوة، والعلم الذي رزقنا من فضل الله، وكرمه علينا، وعلى الناس؛ حيث اختارنا لإرشادهم، وتبيين طرق الخير والهداية لهم. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ}: المبعوث إليهم الرسل. {لا يَشْكُرُونَ}: هذا الفضل، فيعرضون عنه، ولا ينتبهون له، هذا؛ وانظر شرح {شَيْءٍ} في الآية رقم [٤] من سورة (هود). هذا؛ والفعل:(شكر) يتعدى بنفسه، وبحرف الجر، تقول: شكرته وشكرت له، كما تقول: نصحته ونصحت له، والشكر: صرف العبد جميع ما أنعم الله فيما خلق لأجله، هذا؛ ومن أسماء الله «الشكور»، ومعناه هو الذي يجازي على يسير الطاعات كثير الدرجات ويعطي بالعمل في أيام معدودة نعما في الآخرة غير محدودة.
{النّاسِ}: اسم جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط إلخ، واحده: إنسان من غير لفظه، انظر الآية [١٢] من سورة (يونس) عليه السّلام، وهو يطلق على الإنس والجن، ولكن غلب استعماله في الإنس، قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} وأصله: الأناس، حذفت منه الهمزة تخفيفا على غير قياس، وحذفها مع لام التعريف كاللازم، لا يكاد يقال: الأناس، وقد نطق القرآن الكريم بهذا الأصل، ولكن بدون لام التعريف، قال تعالى:{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} وقيل: إن أصله: النّوس، ولم يحذف منه شيء، وإنما قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
الإعراب:{وَاتَّبَعْتُ}: الواو: حرف عطف. (اتبعت): فعل وفاعل. {مِلَّةَ}: مفعول به، وهو مضاف، و {آبائِي}: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم إلخ، والياء في محل جر بالإضافة. {إِبْراهِيمَ}: بدل مما قبله، بدل بعض من كل مجرور مثله، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
{وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ}: معطوفان على {إِبْراهِيمَ،} وعلامة الجر فيهما مثله، وجملة:(اتبعت...) إلخ معطوفة على جملة: {تَرَكْتُ..}. إلخ فهي في محل رفع مثلها. {ما}: نافية. {كانَ}:
ماض ناقص. {لَنا}: متعلقان بمحذوف خبر {كانَ} تقدم على اسمها، والمصدر المؤول من {أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ} في محل رفع خبر {كانَ} مؤخر. {مِنْ}: حرف جر صلة. {شَيْءٍ}: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف