للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أحد منكم يقولها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأضربن عنقه! فقالوا: أو ألستم تقولونها؟! فأنزل الله عز وجل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا} لكي لا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. انتهى. خازن. هذا ومثل هذه الآية في مغزاها، ومعناها قوله تعالى في سورة (النساء) رقم [٤٦] {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}. {وَقُولُوا انْظُرْنا} قال مجاهد: المعنى:

فهمنا، وبين لنا. وقيل: المعنى انتظرنا، وتأنّ بنا. قال علقمة الفحل: [الطويل]

فإنّكما إن تنظراني ساعة... من الدّهر ينفعني لدى أمّ جندب

وقرأ الأعمش وغيره: («أنظرنا») بقطع الألف وكسر الظاء، بمعنى: أخّرنا، وأمهلنا حتى نفهم عنك، ونتلقّى منك، قال عمرو بن كلثوم في معلقته: [الوافر]

أبا هند فلا تعجل علينا... وأنظرنا نخبّرك اليقينا

{وَاسْمَعُوا:} أي: ما تؤمرون به، وأطيعوا نهي الله تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: راعنا؛ لئلا يتطرّق أحد إلى شتمه. وأمرهم بتوقيره، وتعظيمه، وأن يتخيّروا لخطابه صلّى الله عليه وسلّم من الألفاظ أحسنها، ومن المعاني أدقّها، وإن سألوه؛ يسألوه بتبجيل، وتعظيم، ولين، ولا يخاطبوه بما يسرّ اليهود الخبثاء اللّؤماء.

ففي الآية الكريمة دلالة على النّهي الشديد، والتّهديد، والوعيد على التشبّه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك من أمورهم؛ التي لم تشرع لنا، ولا نقرّ عليها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تشبّه بقوم فهو منهم». أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن عمر، رضي الله عنهما.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبّهوا باليهود، ولا بالنصارى، فإنّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النّصارى الإشارة بالأكف». رواه الترمذي.

تنبيه: نادى الله عباده المؤمنين في هذه الآية بأكرم وصف، وألطف عبارة؛ أي: يا من صدقتم الله ورسوله، وتحليتم بالإيمان الذي هو زينة الإنسان. وقد خاطب الله عباده المؤمنين بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} في ثمانية وثمانين موضعا من القرآن، وهذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة بالنداء الدال على الإقبال عليهم أن يتلقى المخاطبين. ونداء المخاطبين باسم المؤمنين يذكرهم بأن الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقّى أوامر الله ونواهيه بحسن الطاعة، والامتثال، وإنما خصّهم الله بالنداء؛ لأنهم هم المستجيبون لأمره، المنتهون عمّا نهى عنه؛ إذ الغالب أن يتبع هذا النداء بأمر، أو بنهي.

الإعراب: ({يا}): أداة نداء تنوب مناب أدعو. ({أَيُّهَا}): منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب‍ ({يا})، و (ها): حرف تنبيه لا محل له، وأقحم للتوكيد، وهو عوض من

<<  <  ج: ص:  >  >>