للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا وصيّة لوارث». والقرآن يجيزها للورثة، وهذا عند الجمهور، ما عدا الشافعي -رضي الله عنه-فإنّه يرى نسخها بآية المواريث المذكورة في سورة النّساء.

ثمّ النسخ في القرآن على وجوه:

أحدها: ما رفع حكمه، وتلاوته، كما روي عن ابن أبي أمامة بن سهل-رضي الله عنه-:

أنّ قوما من الصحابة قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلا: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،}، فغدوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبروه: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلك السّورة رفعت بتلاوتها وحكمها» أخرجه البغوي، بغير سند، وقيل: إنّ سورة الأحزاب، كانت مثل سورة البقرة، فرفع أكثرها تلاوة، وحكما.

الوجه الثاني: ما رفع تلاوته، وبقي حكمه، مثل آية الرّجم.

روي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال عمر بن الخطّاب-رضي الله عنه-وهو جالس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم، فقرأناها، ووعيناها، وعقلناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرّجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على كلّ من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف). أخرجه البخاريّ، ومسلم. هذا وآية الرّجم: (الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.) هذا؛ وممّا نسخت تلاوته وبقي حكمه آية الرّضاع التي أخذ بها الشّافعي رحمه الله تعالى، ونصّها: (خمس رضعات يحرّمن).

الوجه الثالث: ما رفع حكمه وثبت خطّه، وتلاوته، وهو كثير في القرآن الكريم، مثل آية الوصيّة المذكورة آنفا، وآية عدّة الوفاة بالحول، وهي رقم [٢٤٠] الآتية، فإنّها نسخت بآية أربعة أشهر وعشرا وهي رقم [٢٣٤] الآتية، وأيضا آية المصابرة المذكورة آنفا، ومثل ذلك كثير.

{أَوْ نُنْسِها} قرئ: («أو ننساها») فالأول من النّسيان، وهو ما رأيته عن أبي أمامة، والثاني:

التأخير، والإرجاء. قاله مجاهد، وعطاء. {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها} أي: مما هو أنفع لكم، وأسهل عليكم، وأكثر لأجوركم، وليس معناه في أنّ آية خير من آية؛ لأنّ كلام الله تعالى كلّه خير {أَوْ مِثْلِها} في المنفعة، والأجر، والثّواب... {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ:} هذا خطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويشمل كلّ عاقل، وعالم. {عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:} فيه دليل على تسمية الله تعالى بالقدير، والقادر، والمقتدر، والقدير أبلغ في الوصف. والقدير، والقادر، والمقتدر بمعنى واحد، والاقتدار على الشيء: القدرة عليه، فالله عزّ وجل قادر، مقتدر، قدير على كلّ ممكن يقبل الوجود، والعدم، فيجب على كل مكلّف أن يعلم: أنّ الله تعالى قادر، له قدرة بها فعل، ويفعل ما يشاء على وفق علمه، واختياره.

ويجب عليه أيضا أن يعلم: أنّ للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على ما تجري العادة،

<<  <  ج: ص:  >  >>