للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك؛ لما شاهدوا من إمهال الله إياهم، ولا يمتنع حمل الضمير في {وَظَنُّوا} على المرسل إليهم، وإن لم يتقدم لهم ذكر؛ لأن ذكر الرسل يدل على ذكر المرسل إليهم، وإن شئت قلت: إن ذكرهم جرى في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: مكذبي الرسل.

هذا؛ ويقرأ: «(وكذبوا)» بتشديد الذال، ووجهه ظاهر، وهو أن معناه: {حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} من إيمان قومهم، و {وَظَنُّوا} يعني: وأيقن الرسل أن الأمم قد كذبوهم تكذيبا لا يرجى بعده إيمانهم، فالظن بمعنى اليقين، وهذا معنى قول قتادة، وقال بعضهم: معناه: حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم، وظنوا: أن من قد آمن بهم من قومهم قد فارقوهم، وارتدوا عن دينهم لشدة البلاء والمحنة، واستبطئوا النصر؛ أتاهم النصر، وعلى هذا القول الظن بمعنى الحسبان، والتكذيب مظنون من جهة من آمن بهم. انتهى. خازن باختصار.

هذا؛ وقال القرطبي: وهذه الآية فيها تنزيه الأنبياء وعصمتهم عما لا يليق بهم، وهذا الباب عظيم، وخطره جسيم ينبغي الوقوف عليه لئلا يزل الإنسان فيكون في سواء الجحيم. انتهى.

بعد هذا فعن عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة-رضي الله عنهم أجمعين-عن قوله تعالى:

{حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أو (كذبوا) قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت:

والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، وما هو بالظن، فقالت: يا عروة أجل، لقد استيقنوا بذلك، فقلت: لعلها قد كذّبوا، فقالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها! قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم، وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم، جاءهم نصر عند ذلك. انتهى. خازن.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {قَدْ كُذِبُوا} خفيفة، وتلا قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} أي: إنه جعل هذه الآية شبيهة بآية البقرة رقم [٢١٣].

وهذا إن صح عنه، فيكون قد أراد بالظن ما يهجس في القلب من الوسوسة، هذا؛ وقرئ:

(كذبوا) بالتخفيف والبناء للمعلوم، فيكون المعنى: وظن الرسل أنهم قد كذبوا فيما حدثوا عند قومهم لما تراخى النصر عنهم، ولم يروا له أثرا.

{فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ}: المراد به النبي وأتباعه، وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم هم الذين يستأهلون النجاة لا يشاركهم فيها غيرهم، وقرئ: «(فننجي)» وقرئ: «(فنجا)» وانظر الإعراب، {وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} أي: لا يدفع العذاب عن الكافرين إذا نزل بهم.

الإعراب: {حَتّى}: حرف ابتداء. {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب، وجملة: {اِسْتَيْأَسَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>