للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وهذا هو الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لله تعالى، راضيا بما نزل به من الله، طالبا في ذلك الصبر ثواب الله تعالى، محتسبا أجره على الله، فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله، وأما إذا صبر الإنسان؛ ليقال: ما أكمل صبره، وأشد قوته على تحمل النوازل! أو يصبر لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر؛ لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كله مذموم لا ينيل صاحبه ما يذكر فيما يأتي، وقد يعرضه لشديد غضب الله ونقمته، لذا فإن قوله {اِبْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} احتراس من أن يفهم منه أن كل صبر محمود.

{وَأَقامُوا الصَّلاةَ}: هذه هي الصفة السادسة من صفات أولي الألباب، انظر شرحها في الآية رقم [١١٤] من سورة (هود) عليه السّلام؛ تجد ما يسرك. {وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ} أي: بعض الذي رزقناهم إياه، ف‍ (من) الجارة معناها التبعيض وهو أولى ليدخل فيه إخراج المال في جميع وجوه البر والخير. {سِرًّا}: خفية. {وَعَلانِيَةً}: جهرا، ومثله: العلن والإعلان، وما أكثر ما يتردد هذان اللفظان في القرآن الكريم انظر الآية رقم [٣١] من سورة (إبراهيم)، والمعنى: ينفقون المال في جميع الحالات من سر، وإعلان، ومما ينبغي التنبه له: أن الإسرار في صدقة التطوع أفضل من الجهر بها، والأحاديث المرغبة في ذلك كثيرة مشهورة، وأما الزكاة الواجبة فالجهر بها أفضل لأمرين؛ أولهما: ليقتدي الناس بفاعلها، وثانيهما: لئلا يتهم بمنعها، ولا سيما إذا كان ظاهر الغنى، وما في الآية الكريمة يحتمل أن يكون المراد به الزكاة المفروضة، وأن يكون صدقة التطوع، وأن يكون المراد كليهما وهو أولى ليدخل فيه إخراج المال في جميع وجوه البر، والخير.

{وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}: قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يدفعون بالعمل الصالح العمل السيئ، فيكون المراد كما في الآية رقم [١١٤] من سورة (هود) عليه السّلام انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، وقال الحسن رحمه الله تعالى: «إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا» فيكون المراد كما في الآية رقم [١٩٨] من سورة (الأعراف)، انظر شرحها هناك تجد ما يسرك ويثلج صدرك، ومن هذا القبيل، ومن هذه المشكاة قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}. إلخ الآية رقم [٣٢] من سورة (فصلت).

{أُولئِكَ}: الإشارة لأولي الألباب الموصوفين بالصفات المذكورة. {لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ} أي:

العقبى المحمودة، والدار الآخرة أعم منها؛ لأنها تشمل الجنة والنار، والدليل على هذا النعت المحذوف قوله في المقابل: {وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} والعقبى: الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر، هذا؛ ولا ريب أنه يوجد بعد الموت داران، هما: الجنة والنار، خذ قول القائل: [البسيط]

الموت باب، وكلّ الناس داخله... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟

أجيب من طرف الغيب: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>