للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذُرِّيَّةً أي: جعلناهم بشرا يتمتعون بما أحل الله لهم من شهوات الدنيا، وإنما خصوا بنزول الوحي عليهم.

{وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ}: هذا جواب لعبد الله بن أبي أمية وغيره من المشركين الذين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الآيات، واقترحوا عليه أن يريهم المعجزات، كما رأيت في الآية رقم [٣١]. {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} أي: لكل حدث يحدث وقت معين لا يتخطاه، وقيل:

في الكلام تقديم وتأخير، التقدير: لكل كتاب أجل، أي: لكل أمر كتبه الله تعالى أجل مؤجل، ووقت معلوم محتم، لا يتأخر عنه، ولا يتقدم.

هذا؛ والرسول ذكر حر من بني آدم، سليم عن منفر طبعا، أوحي إليه بشرع يعمل به، ويؤمر بتبليغه، وإن لم يؤمر به فهو نبي، هذا؛ والنبي مأخوذ من النبأ، وهو الخبر؛ لأنه يخبر عن ربه فيما أوحي إليه، وقيل: بل هو مأخوذ من النّبوة، وهو الارتفاع؛ لأن رتبة النبي ارتفعت عن رتب سائر الخلق، وانظر عدد الأنبياء والمرسلين، وما ذكرته بشأنهم في الآية رقم [١٦٣] من سورة (النساء)، والآية رقم [٨٦] من سورة (الأنعام)، هذا؛ والنبي يجمع جمع مذكر سالما، وجمع تكسير، وأما الرسول فلا يجمع إلا جمع تكسير: (رسل) بضم الراء والسين، ويجوز تسكينها، قال عيسى بن عمر: كل اسم على ثلاثة أحرف، أوله مضموم، وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله، وذلك مثل عسر، ويسر، ورحم، وحلم، وأسد.

{اللهِ}: علم على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، وهو اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وإنما تخلفت الإجابة في بعض الأوقات عند الدعاء به؛ لتخلف شروط الإجابة التي أعظمها أكل الحلال.

تنبيه: هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه، وتنهى عن التبتل، وهو ترك الزواج، وهذه سنة المرسلين، كما نصت عليه هذه الآية، والأحاديث الشريفة واردة بمعناها، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «تزوّجوا فإني مكاثر بكم الأمم». وعن معقل بن يسار-رضي الله عنه-قال:

جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال، إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه، ثمّ أتاه الثانية، فقال له مثل ذلك، ثمّ أتاه الثالثة فقال له:

«تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم». رواه أبو داود، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٠] من سورة (المائدة) بشأن الذين أرادوا التبتل، والانقطاع للآخرة.

وقد روي عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: أنه كان يقول: إني لأتزوج المرأة، وما لي فيها من حاجة، وأطؤها وما أشتهيها، قيل له: وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟! قال: حبي أن يخرج الله مني من يكاثر به النبي صلّى الله عليه وسلّم النبيين يوم القيامة، وإني سمعته يقول:

«عليكم بالأبكار، فإنّهنّ أعذب أفواها، وأحسن أخلاقا، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير، وإنّي

<<  <  ج: ص:  >  >>