شكرتم إنعامي؛ لأزيدنكم من فضلي، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-أي: لئن شكرتم نعمتي؛ لأزيدنكم من طاعتي. {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ:} المراد بالكفر هنا جحود النعم؛ لأنه مذكور في مقابلة الشكر. {إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} أي: عقابي الشديد لمن جحد نعمتي، وسمى سبحانه جحود النعمة كفرا؛ لأن معنى الكفر اللغوي: الستر، والتغطية كما رأيت في الآية رقم [٣٧] من سورة (يوسف) عليه السّلام، فمن جحد النعمة كان بمنزلة من سترها، وغطاها. وجملة القول:
إن شكر العبد لله على نعمه يعود على نفسه بالثواب العظيم، والنفع العميم، وعدم الشكر لا يضر الله شيئا، خذ قوله تعالى في سورة (النمل) حكاية عن قول سليمان عليه السّلام:
{أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقوله تعالى في سورة (لقمان): {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
فائدة: وعد الله عز وجل بالمزيد من النعم إن شكره العبد عليها، ولم يستثن، بينما استثنى في خمسة أشياء بعد الوعد فيها، فاستثنى الإغناء، فقال:{فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ} وفي الإجابة، فقال:{فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ} وفي الرزق، فقال:{يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} وفي المغفرة، فقال:{وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} وفي التوبة، فقال:{وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ} ومعنى الاستثناء التعليق بالمشيئة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. {(إِذْ):} هي مثل ما قبلها في الآية السابقة. {تَأَذَّنَ:} ماض. {رَبُّكُمْ:} فاعل والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {(إِذْ)} إليها.
{لَئِنْ:} اللام: موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {شَكَرْتُمْ:} ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والميم حرف دال على جماعة الذكور، والمفعول محذوف، التقدير: شكرتموني، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال:
لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَأَزِيدَنَّكُمْ} اللام: واقعة في جواب القسم. (أزيدنكم): مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» والنون حرف لا محل له، والكاف مفعول به أول، والمفعول الثاني محذوف، التقدير: لأزيدنكم نعمة فوق نعمتكم، والجملة الفعلية هذه جواب القسم لا محل لها، وجواب الشرط محذوف على القاعدة:«إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما» قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته: [الرجز]
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم
والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول لقول محذوف، التقدير: وقال: لئن... إلخ، أو في محل نصب مفعول به ل:{تَأَذَّنَ؛} لأنه يجري مجرى قال. انتهى. بيضاوي. {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} إعرابه مثل سابقه، وجواب القسم محذوف، التقدير: لأعذبنكم، دل عليه ما بعده،