للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفراء: المثل مقحم للتوكيد. {كَرَمادٍ:} هو ما يسقط من الحطب والفحم بعد إحراقه بالنار. {اِشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} أي: فنسفته، وطيرته، ولم تبق منه شيئا. {فِي يَوْمٍ عاصِفٍ:} وصف اليوم بالعصوف، والعصوف من صفة الريح؛ لأن الريح تكون فيه، كقولك: يوم بارد، ويوم حار، وليلة ماطرة؛ لأن الحر والبرد والمطر توجد فيهما وهذا يسمى بالمجاز العقلي، وقيل:

معناه في يوم عاصف الريح؛ لأنه قد تقدم ذكرها.

{لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ:} المعنى: أنهم لا يجدون ثوابا في الآخرة للأعمال الصالحة التي عملوها في الدنيا، وأملوا نفعا من ورائها. {ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} أي: ذلك هو الخسران الكبير؛ أي: لأن أعمالهم ضلت، وهلكت، فلا يرجى عودها، وإنما جعله الله كبيرا بعيدا لعدم استدراكه بالموت وضياعه، وانظر الآية رقم [٣] هذا ومثل هذه الآية في بيان ضياع أعمال الكافر قوله تعالى في سورة (النور) رقم [٣٩] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً..}. إلخ وقوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٢٣]:

{وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً}.

تنبيه: في الآية الكريمة التشبيه التمثيلي بقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} وهو ما انتزع من متعدد، فالمشبه مركب من الذين كفروا، وأعمالهم الصالحة التي يقومون بها في حياتهم، والمشبه به مركب من الرماد، واشتداد الريح، واليوم العاصف، وجه الشبه أن الريح العاصف تطير الرماد، وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى له أثر، فكذلك كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لا تنفعهم فتيلا.

تنبيه: في الآية الكريمة مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار التي لم ينتفعوا بها، ووجه المشابهة بين هذا المثل، وبين هذه الأعمال هو أن الريح العاصف تطير الرماد، وتفرق أجزاءه حيث لا يبقى منه شيء، وكذلك أعمال الكفار تبطل وتذهب بسبب كفرهم حتى لا يبقى منها شيء. وما أحراك أن تنظر ما ذكرته في سورة (التوبة) رقم [٥٥] وانظر الآية رقم [١٥] من سورة (هود) عليه السّلام تجد فيهما الدواء الشافي لقلبك، والغذاء الكافي لروحك.

الإعراب: {مَثَلُ:} مبتدأ، اختلف في خبره، فقال سيبويه: محذوف، التقدير: فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وقال الخليل: خبره جملة: {أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ} أي: صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم... إلخ كقولك: قولي: يقوم زيد. وانظر الشرح. وقال الفراء: المثل مقحم للتأكيد، والمعنى: الذين كفروا بربهم أعمالهم... إلخ. والعرب تفعل ذلك كثيرا بالمثل، وانظر الآية رقم [٣٥] من سورة (الرعد)، و {مَثَلُ} مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وجملة: {كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} صلة الموصول، لا محل لها، {أَعْمالُهُمْ:}

مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {كَرَمادٍ:} متعلقان بمحذوف

<<  <  ج: ص:  >  >>