احفظ البيتين، ولا تنس: ما فيهما من الجناس التام، لذا فإنه لا وجود للصديق بالمعنى الحقيقي، بل صار وجوده مستحيلا، كما قال القائل:[الكامل]
قد قيل: إنّ المستحيل ثلاثة... الغول والعنقاء والخلّ الوفي
وقال الآخر:[الوافر]
سألت النّاس عن خلّ وفيّ... فقالوا: ما إلى هذا سبيل
تمسّك إن ظفرت بذيل حرّ... فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل
ومما هو جدير بالذكر: أن كل صداقة لا تكون على أساس من التقوى تنقلب عداوة في الدنيا والآخرة، خذ قوله تعالى:{الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} وانظر نتيجة صداقة إبليس في الآية رقم [٢٢] من هذه السورة وفي سورة (ق).
قال الخازن: فإن قلت: كيف نفى الخلة في هذه الآية، وفي الآية رقم [٢٥٤] من سورة (البقرة)، وأثبتها في الآية رقم [٦٧] من سورة (الزخرف)، وهي {الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ..}. إلخ قلت:
الآية الدالة على نفي الخلة (أي: نفي نفعها) محمولة على نفي الخلة الحاصلة بسبب ميل الطبيعة ورعونة النفس، والآية الدالة على حصول الخلة وثبوتها (أي: ثبوت نفعها) محمولة على الخلة الحاصلة بسبب محبة الله، ألا تراه أثبتها للمتقين فقط، ونفاها عن غيرهم. وقيل: إن ليوم القيامة أحوالا مختلفة، ففي بعضها يشتغل كل خليل عن خليله، وفي بعضها يتعاطف الأخلاء، بعضهم على بعض إذا كانت المخالة لله وفي محبته. انتهى.
الإعراب:{قُلْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره «أنت». {لِعِبادِيَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة عبادي، أو بدل منه، أو عطف بيان عليه، وجملة:{آمَنُوا:} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {يُقِيمُوا:} قال أبو البقاء: فيه ثلاثة، أوجه: أحدها: هو جواب قل، وتقدير الكلام: إن تقل لهم يقيموا، قاله الأخفش، ورده قوم، قالوا: لأن قول الرسول لهم، لا يوجب أن يقيموا، وهذا عندي لا يبطل قوله؛ لأنه لم يرد بالعباد الكفار، بل المؤمنين، وإذا قال الرسول لهم: أقيموا الصلاة أقاموها، ويدل على ذلك قوله:{قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} والقول الثاني حكي عن المبرد، وهو أن التقدير: قل لهم: أقيموا يقيموا، فيقيموا المصرح به جواب أقيموا المحذوف، حكاه جماعة، ولم يتعرضوا لإفساده، وهو فاسد لوجهين:
أحدهما: أن جواب الشرط يخالف الشرط، إما في الفعل، أو في الفاعل، أو فيهما، فأما إذا كان مثله في الفعل والفاعل فهو خطأ، كقولك: قم تقم، والتقدير على ما ذكر في هذا الوجه