للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترك، وقد سمع الماضي منهما سماعا نادرا فقالوا: وذر، وودع بوزن وضع، إلا أن ذلك شاذ في الاستعمال؛ لأن العرب كلهم إلا قليلا منهم أميت هذا الماضي من لغاتهم، وليس المعنى:

أنهم لم يتكلموا به البتة، بل تكلموا به دهرا طويلا، ثم أماتوه بإهمالهم استعماله، فلما جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب؛ وجدوه مماتا إلا ما سمع منه سماعا نادرا.

قال قطة العدوي: قال بعض المتقدمين: زعم النحاة: أن العرب أماتت ماضي «ودع» ومصدره، واسم مفعوله، واسم فاعله، مع أنه قد قرأ عروة بن الزبير، وابنه هشام قوله تعالى: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} بتخفيف الدال، بمعنى: ما تركك، وكذا قرأ مقاتل، وابن أبي عبلة، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «شرّ الناس من ودعه الناس اتقاء شرّه». وقال عليه الصلاة والسّلام: «دعوا الحبشة ما ودعوكم». ورواه الجمل: «ذروا الحبشة ما وذرتكم». وقال أبو العتاهية الصوفي: [المنسرح]

أثروا فلم يدخلوا قبورهم... شيئا من الثروة الّتي جمعوا

وكان ما قدّموا لأنفسهم... أعظم نفعا من الّذي ودعوا

وقال آخر: [الطويل]

وثمّ ودعنا آل عمرو وعامر... فرائس أطراف المثقّفة السّمر

وقال أنس بن رؤيم: [الرمل]

ليت شعري عن خليلي ما الّذي... غاله في الحبّ حتّى ودعه

فها هو الماضي قد ورد عن أفصح العرب قراءة وحديثا، وكذا في شعر العرب، وورد المصدر أيضا في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لينتهينّ قوم عن ودعهم الجمعات، وفي رواية: (الجماعات) أو ليختمنّ الله على قلوبهم، ثمّ ليكوننّ من الغافلين». أخرجه مسلم وغيره، وورد اسم المفعول، واسم الفاعل من «ودع» في قول خفاف بن ندبة: [الطويل]

إذا ما استحمّت أرضه من سمائه... جرى، وهو مودوع وواعد مصدق

فكيف يقال: إن العرب أماتته؟! فالصواب القول بقلة الاستعمال، لا بالإماتة. انتهى.

بتصرف كبير. هذا؛ وما قيل في «ودع» ومضارع «يدع»، وأمره «دع» يقال في: وذر، ومضارعه:

«يذر»، وأمره: «ذر»، كما يقال في «وعم» ومضارعه «يعم»، وأمره «عم»، وانظر الشاهد رقم [٣٠٨] من كتابنا فتح القريب تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

{الْأَمَلُ:} من أمّل يؤمّل، تأميلا: إذا رجى الأمر، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله بخلاف الطمع، فإنه لا يكون إلا فيما يرجى حصوله، وقد يكون «الأمل» بمعنى: الطمع، وأما الرجاء؛ فهو بين الأمل والطمع، والآمال في الدنيا رحمة من الله تعالى، حتى عمر بها الدنيا،

<<  <  ج: ص:  >  >>