الهاوية، وهي الدرك الأسفل للمنافقين، قال تعالى:{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ} وإنما كان عقابهم كذلك؛ لأنهم أخبث الكفرة؛ لأنهم ضموا إلى الكفر استهزاء بالإسلام، وخداعا للمؤمنين، وبالمقابل انظر الجنان في الآية رقم [٢٦] من سورة (يونس) عليه السّلام، والآية رقم [٢٣] من سورة (الرعد). {لِكُلِّ بابٍ} أي: من أبواب جهنم. {مِنْهُمْ جُزْءٌ:} حظ ونصيب من الغاوين وأتباع الشيطان معلوم.
تنبيه: روي: أن سلمان الفارسي-رضي الله عنه-لما سمع هذه الآية فرّ ثلاثة أيام من الخوف لا يعقل، فجيء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله، فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية، فو الذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فأنزل الله تعالى الآية التالية. وقال بلال-رضي الله عنه-كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي في مسجد المدينة وحده، فمرت به امرأة أعرابية، فصلت خلفه، ولم يعلم بها، فقرأ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية، فخرت الأعرابية مغشيا عليها، وسمع النبي عليه الصلاة والسّلام وجبتها، فانصرف، ودعا بماء فصب على وجهها حتى أفاقت وجلست، فقال:«يا هذه مالك؟» فقالت:
أهذا شيء من كتاب الله المنزل، أو تقوله من تلقاء نفسك؟ فقال:«يا أعرابية! بل هو من كتاب الله تعالى المنزل»، فقالت: كل عضو من أعضائي يعذب على كل باب منها، قال:«يا أعرابية، بل لكل باب منهم جزء مقسوم، يعذب أهل كل منها على قدر أعمالهم». فقالت: والله إني امرأة مسكينة، ما لي مال، وما لي إلا سبعة أعبد، أشهدك يا رسول الله! أنّ كل عبد منهم عن كل باب من أبواب جهنم حر لوجه الله تعالى. فأتاه جبريل، فقال: يا رسول الله! بشر الأعرابية: أن الله قد حرم عليها أبواب جهنم كلها، وفتح لها أبواب الجنة كلها. انتهى. قرطبي بتصرف.
تنبيه: لقد ذكرت قصة آدم عليه السّلام في سورة (البقرة)، وفي سورة (الأعراف)، و (الإسراء) و (الكهف) وسورة (طه) باسمه وصفته، وذكرت في سورة (الحجر)، وسورة (ص) بصفته فقط، وكلها بمعنى: واحد، ولكن بعبارات مختلفة اللفظ فقط، وذلك مما يدل على إعجاز القرآن، فإن أكتب الكتاب، وأبلغ البلغاء إذا كتب قصة مرة، يستحيل عليه أن يكتبها مرة أخرى بألفاظ غير الأولى، مع المحافظة على المتانة في الأسلوب، والبلاغة في التعبير كما في القرآن الكريم.
الإعراب:{وَإِنَّ:} الواو: حرف عطف. (إنّ): حرف مشبه بالفعل. {جَهَنَّمَ:} اسم (إنّ).
{لَمَوْعِدُهُمْ:} اللام: هي المزحلقة. (موعدهم): خبر (إنّ)، والهاء في محل جر بالإضافة.
هو حال من الضمير المذكور، والأول: أولى، والجملة الاسمية:{وَإِنَّ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها. {لَها:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {سَبْعَةُ:}
مبتدأ مؤخر، و {سَبْعَةُ:} مضاف، و {أَبْوابٍ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية:{لَها..}. إلخ في محل نصب حال من {جَهَنَّمَ،} والرابط: الضمير فقط والعامل (إنّ) لما فيها من معنى التأكيد،