للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وأضاف سبحانه إلى ما ذكر في الآية رقم [١٣١] من سورة (طه) قوله: {زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}. والمعنى: أن الذي يعطاه أصناف الكفار من حطام الدنيا، إنما هو كالزهرة تتفتح في أول النهار، ثم تذبل في آخره، فقد نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الرّغبة في الدنيا، ومزاحمة أهلها عليها؛ ولذا كان لا ينظر إلى شيء من متعها، ولا يلتفت إليه، ولا يستحسنه.

{وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي: ولا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا. وقيل: المعنى: لا تحزن على ما متعوا به في الدنيا، فلك في الآخرة أفضل منه. {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: ألن جانبك لمن آمن بك، وتواضع لهم. وفي هذه الجملة استعارة مكنية، وهي ما حذف فيها المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، فقد استعير الطائر للذل، ثم حذفه، ودل عليه بشيء من لوازمه، وهو الجناح، وإثبات الجناح للذل يسمونه: استعارة تخييلية، وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (الإسراء) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا، وقد قال ابن الجوزي: سبب نزول هذه الآية وسابقتها أنّ سبع قوافل وافت من بصرى، وأذرعات ليهود قريظة، والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البزّ، والطيب، والجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها، وأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله الآيتين الكريمتين، فيكون الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد: أمته، وضعّف هذا القول؛ لأن السورة مكية بكاملها، وروي عن أبي بكر-رضي الله عنه-: أنه قال: من أوتي القرآن، فرأى: أن أحدا، أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي؛ فقد صغّر عظيما، وعظّم صغيرا.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». رواه مسلم. قال عوف بن عبد الله بن عتبة: كنت أصحب الأغنياء، فما كان أحد أكثر همّا مني، كنت أرى دابة خيرا من دابتي، وثوبا خيرا من ثوبي، فلمّا سمعت هذا الحديث، صحبت الفقراء، فاسترحت. انتهى.

خازن.

الإعراب: {لا:} ناهية. {تَمُدَّنَّ:} مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وهو في محل جزم ب‍: {لا} الناهية، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والنون حرف لا محل له.

{عَيْنَيْكَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، وحذفت النون للإضافة، والكاف في محل جر بالإضافة. {إِلى:} حرف جر. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر ب‍: {إِلى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

{مَتَّعْنا:} فعل، وفاعل. {بِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية صلة {ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط: الضمير المجرور محلا بالباء، {أَزْواجاً:} مفعول به. {مِنْهُمْ:}

متعلقان بمحذوف صفة {أَزْواجاً} هذا وهناك وجه ثان، وهو اعتبار {أَزْواجاً} حالا من الضمير

<<  <  ج: ص:  >  >>