للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يسمعوا به. وقيل: ممّا أعده الله في الجنة لأهلها، وفي النار لأهلها، ممّا لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولا خطر على قلب بشر.

أقول: وخلق الله ممّا كانوا لا يعلمون السيارات، والطائرات، وغير ذلك مما نراه في هذه الأيام، وهو معدّ للركوب، وللزينة، بل لقد قضى ذلك على الاستفادة من جميع تلك الحيوانات في الحرث، والحمل، والركوب، كما هو مشاهد لكل إنسان، وخلق الله ذلك بتعليمه الإنسان صنع السيارات... إلخ، والجمال، والزينة المستفادان من الحيوانات؛ وإن كانا من متع الدنيا؛ فقد أذن الله لعباده فيهما، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الإبل عزّ لأهلها، والغنم بركة، والخيل في نواصيها الخير». خرجه البرقاني، وابن ماجة في السنن.

قال الخازن-رحمه الله تعالى: احتج بهذه الآية من يرى تحريم لحوم الخيل، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-وتلا هذه الآية. وقال: هذه للركوب، وإليه ذهب الحكم، ومالك، وأبو حنيفة، رحمهم الله! واستدلوا أيضا بأن منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب، فلمّا لم يذكره الله تعالى؛ علمنا تحريم أكله، فلو كان أكل لحوم الخيل جائزا؛ لكان هذا المعنى أولى بالذكر؛ لأن الله سبحانه وتعالى خصّ الأنعام بالأكل حيث قال: {وَمِنْها تَأْكُلُونَ} وخصّ هذه بالركوب، فقال: {لِتَرْكَبُوها} فعلمنا: أنها مخلوقة للركوب، لا للأكل.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى إباحة أكل لحوم الخيل، وهو قول الحسن، وشريح، وعطاء، وسعيد بن جبير، وإليه ذهب الإمام الشافعي-وأحمد، وإسحاق-رضي الله عنهم أجمعين-: واحتجوا على إباحة لحوم الخيل بما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق-رضي الله عنهما-أنها قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسا، فأكلناه. وفي رواية قالت: ذبحنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرسا، ونحن بالمدينة، فأكلناه. أخرجه البخاري، ومسلم.

وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في الخيل. متفق عليه، وفي رواية قال: أكلنا زمن خيبر لحوم الخيل، وحمر الوحش، ونهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الحمار الأهلي. هذه رواية البخاري، ومسلم، وفي رواية أبي داود قال:

(ذبحنا يوم خيبر الخيل، والبغال، والحمير، وكنا قد أصابتنا مخمصة، فنهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البغال، والحمير، ولم ينهنا عن الخيل. وأجاب من أباح لحوم الخيل عن هذه الآية بأن ذكر الركوب والزينة، لا يدل على أن منفعتها مختصة بذلك، وإنما خصّ هاتان المنفعتان بالذكر؛ لأنهما معظم المقصود. قالوا: ولهذا سكت عن حمل الأثقال على الخيل، مع قوله في (الأنعام): {وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ} ولم يلزم من هذا التحريم حمل الأثقال على الخيل.

وقال البغوي: ليس المراد من الآية بيان التحليل، والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته، وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم

<<  <  ج: ص:  >  >>