للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جهنّم، يقال له: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال».

أخرجه النسائي، والترمذي. وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:

«لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر... إلخ». رواه مسلم، والترمذي بطوله.

وأفحش أنواع الكبر وأقبحها الكبر على الله، كتكبر فرعون، وادعائه الربوبية، واستنكافه أن يكون عبدا لله. ويليه في القبح، والشناعة التكبر على الرسل، وعدم الانقياد لهم، ومخالفة ما جاءوا به كبرا وعنادا، وجهلا، كالذي حصل من كفار قريش مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويلي هذين النوعين في السوء والمقت التكبر على عباد الله، وازدراؤهم، والترفع عليهم، والأنفة من مساواتهم.

الإعراب: {لا جَرَمَ} في إعراب هذا اللفظ أربعة أقوال:

أحدها: وهو مذهب سيبويه والخليل: أنها مركبة من (لا) النافية، و (جرم) وبنيتا على تركيبهما تركيب خمسة عشر، وصار معناهما معنى فعل، وهو (حقّ) فعلى هذا فالمصدر المؤول من {أَنَّ} واسمها وخبرها في محل رفع فاعل، فقوله تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ} أي: حقّ وثبت كون النار لهم، أو استقرارها لهم. هذا ما نقله السمين عن سيبويه، والخليل، ونقل مكي عنهما: أن {لا جَرَمَ} بمعنى: «حقّ» في موضع رفع بالابتداء، والمصدر المؤول من {أَنَّ} واسمها وخبرها في محل رفع خبر، فاختلف النقل عن سيبويه والخليل، رحم الله الجميع برحمته الواسعة، ورحمنا معهم.

الثاني: أنّ {لا جَرَمَ} بمنزلة «لا رجل» في كون {لا} نافية للجنس، و {جَرَمَ} اسمها مبني معها على الفتح، وهي واسمها في محل رفع بالابتداء، وما بعدهما خبر {لا} النافية، وصار معناها: لا محالة في أنهم في علم الله سرهم وعلانيتهم، وهذا الوجه عزاه مكي إلى الخليل أيضا، ونقله ابن هشام في المغني عن الفراء أيضا.

الوجه الثالث: أن {لا} نافية لكلام متقدم، رد الله به استكبارهم، بمعنى: لا ينفعهم استكبارهم، ثم أتى بعدها بجملة فعلية، وهي {جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ..}. إلخ، و {جَرَمَ} على هذا فعل ماض معناه: حقّ، وثبت، وفاعله مستتر، يعود على فعلهم المدلول عليه بسياق الكلام، و {أَنَّ} وما في حيزها في موضع المفعول به؛ لأن جرم يتعدى إذا أوّل بكسب كما قيل، وهو لازم إذا كان بمعنى: حق، وثبت و {أَنَّ} وما في حيزها في موضع الفاعل، والمعنى عليه أقوى، وعلى هذا الوجه فالوقف على {لا} ثم يبتدأ ب‍: {جَرَمَ} بخلاف ما تقدم. انتهى.

جمل، وهذا القول عزاه مكي للزجاج، ونقله ابن هشام في المغني عن قطرب.

الوجه الرابع: أن معنى {لا جَرَمَ} لا حدّ، ولا منع، ولا صدّ، ويكون {جَرَمَ} بمعنى:

القطع، تقول: جرمت كذا؛ أي: قطعته، فيكون {جَرَمَ} اسم {لا} مبني معها على الفتح، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>