للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي: الخبيثة من الكفر والتكذيب، وتحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله.

والمزين في الحقيقة هو الله تعالى، هذا مذهب أهل السنّة، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وليس له قدرة أن يضل، أو يهدي أحدا، وإنما له الوسوسة فقط، فمن أراد الله شقاوته؛ سلطه عليه حتى يقبل وسوسته. {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ:} ناصرهم في الدنيا، وعبر باليوم عن زمانها، أو فهو وليهم حين كان يزين لهم، أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية، أو آتية. هذا؛ والولي: القرين، والصاحب، وهو أيضا الذي يتولى شئون غيره. والنصير المعين، والمساعد، والفرق بينهما أن الولي قد يضعف عن النصرة والمعاونة، والنصير قد يكون أجنبيا عن المنصور، فبينهما عموم، وخصوص من وجه. {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: في الآخرة.

قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ} الآية رقم [٤] من سورة (النمل): فإن قلت: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته، وقد أسنده إلى الشيطان في قوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ} قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله عز وجل مجاز، وله طريقان في علم البيان: أحدهما أنه من المجاز الذي يسمى استعارة. والثاني: أن يكون من المجاز الحكمي، فالطريق الأول:

أنه لما متعهم بطول العمر، وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم، وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وبطرهم، وإيثارهم الراحة والترفّه، ونفارهم عمّا يلزمهم فيه من التكاليف الصعبة، والمشاق المتعبة؛ فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، وإليه أشارت الملائكة-صلوات الله وسلامه عليهم-في قولهم: {وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ}.

والطريق الثاني: أن إمهاله الشيطان، وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه؛ لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل: هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها، زينها لهم فعمهوا عنها وضلّوا. ويعزى إلى الحسن. انتهى. كشاف. وهذا مبني على مذهبه في الاعتزال، وأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية.

الإعراب: {تَاللهِ:} متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَرْسَلْنا:} ماض، وفاعله، {إِلى أُمَمٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ قَبْلِكَ:} متعلقان بمحذوف صفة أمم، والكاف في محل جر بالإضافة، والمفعول محذوف، تقديره: رسلا، والجملة: {لَقَدْ أَرْسَلْنا..}. إلخ جواب القسم، والقسم وجوابه كلام مستأنف لا محل له. {فَزَيَّنَ:} الفاء: حرف عطف. (زين):

ماض. {لَهُمُ:} متعلقان بما قبلهما. {الشَّيْطانُ:} فاعله. {أَعْمالَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة: {فَزَيَّنَ..}. إلخ معطوفة على جواب القسم لا محل لها مثلها.

{فَهُوَ:} الفاء: حرف عطف. (هو): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>