وهاجر. ({مِنْ ذُرِّيَّتِنا}): ({مِنْ}) للتبعيض؛ أي: واجعل بعض ذريتنا؛ لأن الله تعالى قد كان أعلمه:
أنّ منهم ظالمين. {أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ:} جماعة خاضعة، منقادة لأوامرك، وإنّما خصّ الذريّة بالدّعاء؛ لأنهم أحقّ بالشّفقة، والنّصيحة، قال الله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً}. ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا؛ صلح بهم غيرهم.
هذا؛ و {أُمَّةً} تكون واحدا إذا كان يقتدى به، كقوله تعالى في حقّ إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً} رقم [١٢٠] من سورة (النّحل)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في زيد بن عمرو بن نفيل:«يبعث أمّة وحده»؛ لأنه لم يشرك في دينه غيره، والأمّة: الطريقة والملّة والدّين، كقوله تعالى حكاية عن قول المشركين:{إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً}. وكل جنس من الحيوان أمّة، كقوله تعالى:{وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}. وانظر الآية رقم [١٩٩] الآتية. والأمة: الحين، والوقت، كقوله تعالى:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد وقت، وحين. والأمّة: الشّجّة التي تبلغ الدماغ، يقال: رجل مأموم، وأميم. والأمة أيضا: القامة، يقال: فلان حسن الأمة؛ أي: حسن القامة، قال الشاعر:[المتقارب]
وإنّ معاوية الأكرمي... ن حسان الوجوه طوال الأمم
{وَأَرِنا مَناسِكَنا:} علّمنا، وأصله: أرئينا، انظر (نرى) في الآية رقم [٥٥]، وهو هنا بمعنى:
عرّفنا، يتعدّى لواحد فقط، ويتعدى للثاني بواسطة همزة التعدية. هذا؛ والمناسك: شرائع العبادة على اختلاف درجاتها، وتفاوت مراتبها، أو هي: مناسك الحجّ. وقيل: مذابحنا، والنّسك:
الذبيحة، وأصل النسك: العبادة، والناسك: العابد. ويستدل بهذه الآية من يقول بتناسخ الأرواح. {التَّوّابُ الرَّحِيمُ:} انظر الآية رقم [٣٧]. هذا؛ والمراد بقوله:{وَتُبْ عَلَيْنا} طلب التثبيت على الطّاعة، والدوام على العبادة، لا لأنهما كان لهما ذنب. وقيل: المراد: البيان للناس: أنّ ذلك الموقف، وتلك المواضع مكان التنصّل من الذّنوب، وطلب التّوبة، والمغفرة.
الإعراب:{رَبَّنا:} منادى حذف منه أداة النداء، وانظر الآية السّابقة. ({اِجْعَلْنا}): فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره: أنت. و (نا): مفعول به أول. {مُسْلِمَيْنِ:} مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه مثنى، وجمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {لَكَ:} متعلقان ب {مُسْلِمَيْنِ} وقيل: متعلقان بمحذوف صفة له، وجملة:{وَاجْعَلْنا} معطوفة على جملة: {تَقَبَّلْ} في الآية السابقة، وجملة النداء:{رَبَّنا} معترضة لتأكيد الدعاء.
({مِنْ ذُرِّيَّتِنا}): متعلقان بفعل محذوف، تقديره: اجعل، وهما في محل نصب مفعوله الأول.
و (نا): في محل جر بالإضافة، {أُمَّةً:} مفعول به ثان للفعل المقدر. {مُسْلِمَةً:} صفة {أُمَّةً،}{لَكَ:} جار ومجرور متعلقان ب {مُسْلِمَةً} أو بمحذوف صفة له. وذكر أبو البقاء وجها آخر