{بِعَبْدِهِ:} المراد به: سيد الخلق، وحبيب الحق محمد صلّى الله عليه وسلّم بإجماع الأمة، والإضافة إضافة تشريف، وتعظيم، وتبجيل، وتفخيم وتكريم، وذكر العبودية مقام عظيم، ولو كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم اسم أشرف منه؛ لسماه به في تلك الحالة العلية، وفي معناه أنشدوا: [السريع]
يا قوم قلبي عند زهراء... يعرفه السامع والرّائي
لا تدعني إلاّ بيا عبدها... فإنّه أشرف أسمائي
علما بأنه صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر باسمه الصريح في القرآن إلا قليلا، ذكر باسم محمد في سورة (آل عمران) وسورة (الأحزاب)، وسورة (محمد)، وسورة (الفتح) وذكر باسم أحمد في سورة (الصف)، وذكر باسم طه في سورة (طه)، وذكر باسم ياسين في سورة (يس). هذا؛ والعبد:
الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على: عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك؛ قال القشيري: لمّا رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلوية؛ ألزمه اسم العبودية تواضعا للأمة.
{لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} أي: المسجد الذي حول الكعبة المشرفة، ومعنى الحرام:
المحرم فيه اللغو، والرفث، والإيذاء، وكل فعل قبيح، وعمل فاحش، وإن كان في غيره حراما، فهو أشد فيه حرمة، وكذلك محرم على الكفار، فلا يجوز أن يدخله كافر أبدا. وانظر الآية رقم [١٠٠] من سورة (المائدة) تجد ما يسرك. وانظر: {الْحَرامِ} في الآية رقم [١١٦] من سورة (النحل). {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى:} بيت المقدس في فلسطين، سمي «أقصى» لبعده عن المسجد الحرام، أو؛ لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وأول من بناه آدم عليه السّلام، بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة، فهو أول مسجد بني في الأرض بعد الكعبة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٦] من سورة (آل عمران)، ففيها كبير فائدة.
{الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ} أي: بكثرة الأنهار، والأشجار، والثمار، أو سماه مباركا؛ لأنه مقرّ الأنبياء، ومهبط الملائكة، والوحي، وقبلة الأنبياء قبل نبينا صلّى الله عليه وسلّم، وفيه يكون الحشر يوم القيامة.
هذا؛ و «حول» ظرف مكان لا يتصرف، فهو ملازم للظرفية أبدا، يقال: قعد حوله، وحواله، وحوليه، وحواليه، ولا تقل: حواليه بكسر اللام، وقعد بحياله، وحياله؛ أي: بإزائه، وإزاءه.
{لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا} أي: من عجائب قدرتنا؛ أي: فقد رأى صلّى الله عليه وسلّم في تلك الليلة الأنبياء، وصلى بهم، ووقف على مقاماتهم، وغير ذلك من المشاهدات. {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} أي: الله سميع لأقوال محمد صلّى الله عليه وسلّم ودعائه. {الْبَصِيرُ:} بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك. وقيل:
المعنى: السميع لما قالت له قريش حين أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس، وما شاهده من العجائب. وقيل: إنه هو السميع لأقوال خلقه، البصير بأعمالهم، فيجازي كل عامل بعمله، وحمله على العموم أولى. هذا؛ وقال أبو البقاء: وقيل: الضمير للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: إنه السميع لكلامنا، البصير لذاتنا. وهو قول انفرد به.