أي: مرة ثالثة إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقصد قتله، فعاد الله تعالى بتسليطه عليهم، فقتل بني قريظة وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين منهم، هذا لهم في الدنيا.
{وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً} محبسا، لا يقدرون على الخروج منها، أبد الآبدين. وقيل: بساطا كما يبسط الحصير في الأرض. وقيل: محبسا، وسجنا. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
بعد هذا؛ والمراد ب:{رَبُّكُمْ} هنا: خالقكم، ورازقكم، ومحييكم، ومميتكم. هذا؛ والرب يطلق ويراد به: السيد، والمالك، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام:{اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ..}. إلخ وقوله أيضا:{أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً..}. إلخ. وقال الأعشى:[الكامل]
ربّي كريم لا يكدّر نعمة... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا
كما يقال: رب الدار، ورب الأسرة؛ أي: مالكها، ومتولي شئونها. كما يراد به: المربي، والمصلح، يقال: ربّ فلان الضيعة يربّها: إذا أصلحها، والله سبحانه وتعالى مالك العالمين، ومربيهم، وموصلهم إلى كمالهم شيئا فشيئا، يجعل النطفة علقة، ثم يجعل العلقة مضغة، ثم يجعل المضغة عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يصوره، ويجعل فيه الروح، ثم يخرجه خلقا آخر، وهو صغير ضعيف، فلا يزال ينميه وينشيه حتى يجعله رجلا، أو امرأة كاملين. ولا يطلق الرب على غير الله تعالى إلا مقيدا بالإضافة، مثل قولك: رب الدار، ورب الناقة، ونحو ذلك. والرب:
المعبود بحق، وهو المراد منه تعالى عند الإطلاق، ولا يجمع إذا كان بهذا المعنى، ويجمع إذا كان معبودا بالباطل، قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام لصاحبي السجن:{أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ} كما يجمع إذا كان بأحد المعاني السابقة، قال الشاعر:[الطويل]
وهو اسم فاعل بجميع معانيه، أصله: رابب، ثم خفف بحذف الألف، وإدغام أحد المثلين في الآخر. وانظر دركات النار في الآية رقم [٤٤] من سورة (الحجر). هذا؛ و {حَصِيراً} إن كان اسم مكان؛ فهو جامد لا يلزم تذكيره، ولا تأنيثه، وإن كان بمعنى: حاصرا؛ أي: محيطا بهم، وفعيل بمعنى: فاعل يلزم مطابقته، فكان يقال: حصيرة، ولم يؤنث. إما؛ لأنه على النسب ك:«لابن» و «تامر»، أو لحمله على فعيل بمعنى: مفعول، أو لأن تأنيث جهنم غير حقيقي، أو لتأويلها بمذكر كالسجن والحبس. انتهى. جمل. وينبغي أن تعلم أنه لم يرد لفظ {حَصِيراً} في غير هذا الموضع من القرآن الكريم.
الإعراب:{عَسى:} فعل ترج ناقص مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {رَبُّكُمْ:} اسم {عَسى،} والكاف في محل جر بالإضافة، والمصدر المؤول من:{أَنْ يَرْحَمَكُمْ} في محل نصب خبر {عَسى،} وهو يصرف إلى اسم الفاعل أيضا، فيكون التقدير: عسى ربكم راحما لكم، والجملة الفعلية هذه مستأنفة، لا محل لها. {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا} هو مثل: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ}