للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاء؟ فيقول: بلى يا أمه! فتقول: يا بني! إن ذنوبي أثقلتني فاحمل عني منها ذنبا واحدا، فيقول: إليك عني يا أمّه! فإني بذنبي عنك اليوم مشغول.

خذ قوله تعالى في سورة (المعارج): {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ} وقوله جل ذكره في سورة (عبس):

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}.

تنبيه: عن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الميّت يعذّب في قبره بما نيح عليه». رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجة، والنسائي إلا أنه قال «بالنّياحة عليه» فلا تعارض بين الآية والحديث، فإن الحديث محمول على ما إذا كان النوح من وصية الميت، وسنته، كما كانت الجاهلية تفعله، حتى قال طرفة بن العبد: [الطويل]

إذا متّ فانعيني بما أنا أهله... وشقّي عليّ الجيب يا ابنة معبد

وذهب جماعة من أهل العلم-منهم داود الظاهري-إلى الأخذ بظاهر الحديث، وأنه إنما يعذب بنوح النساء؛ لأنه أهمل النهي عنه قبل موته، فيعذب بتفريطه بذلك.

{وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً} أي: لم نترك الخلق سدى، بل أرسلنا الرسل، وفي هذا دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع، خلافا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح، ويحسن، ويبيح، ويحظر، ونص الآية يعطي احتمال عدم مؤاخذة الذين لم تصلهم رسالة، وهم أهل الفترات؛ الذين لم يرسل إليهم رسل، ومنهم من كانوا قبل النبي. ومجمل القول فيهم: أنهم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من أدرك التوحيد، وعرف الله ببصيرته، فمنعه هذا التبصر عن عبادة غير الله تعالى، ومنهم من لم يدخل في شريعة كقس بن ساعدة الأيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل، ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبّع، وورقة بن نوفل اللّذين تنصرا.

القسم الثاني: من غير، وبدل، وأشرك، ولم يوحد، وشرع لنفسه، وحلل، وحرم، وهم الأكثر من العرب، كعمرو بن لحي الخزاعي؛ الذي أدخل الأصنام إلى الكعبة، وأجبر الناس على عبادتها، وتقديسها.

القسم الثالث: وهم من لم يشرك، ولم يوحد، ولا دخل في شريعة نبي، ولا ابتكر لنفسه شريعة، ولا اخترع دينا، بل بقي مدة عمره على حين غفلة، وهم أهل الفترة حقيقة، ومنهم عبد المطلب، ووالدا النبي صلّى الله عليه وسلّم وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٣٤] من سورة (طه).

الإعراب: {مَنِ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {اِهْتَدى:}

ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، وهو في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود

<<  <  ج: ص:  >  >>