لا تفعلوا، وما هنا من قبيل الأول، والآية الأخرى من قبيل الثاني، فكلّ جاء على ما يليق به وهو أبلغ من: لا تأتوه؛ لأنه يفيد النهي عن مقدمات الزنى، كاللمس، والقبلة، والنظرة، والغمزة بالمنطوق، وعن الزنى بمفهوم الأولى. {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً} أي: فعلة قبيحة زائدة على حد القبح. {وَساءَ سَبِيلاً} أي: بئس الطريق طريقة الزنى، وهو من الكبائر باتفاق جميع علماء المسلمين، لم تبحه شريعة من الشرائع، ولا ديانة من الديانات، وهو يشتمل على أنواع من المفاسد، منها: المعصية، وإيجاب الحد على نفسه، ومنها اختلاط الأنساب، فلا يعرف الرجل ولد من هو، وقد يلقى ولد الزنى في الطرقات، فلا يقوم أحد بتربيته، وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل، وهذا يسبب خراب العالم.
هذا؛ والزنى يكتب بالياء؛ لأنه مصدر زنى يزني، ويكتب بالألف على أنه اسم مقصور من الزناء بالمد، ويقول: هو زان بين الزنا، والزناء بالمد والقصر. قال الفرزدق:[الطويل]
أبا حاضر من يزن يعلم زناؤه... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
وقال الفراء: المقصور من زنى، والممدود من زانى، يقال: زاناها مزاناة، وزناء.
هذا؛ وقد وردت أحاديث كثيرة تشدد النكير على الزناة، والزواني، وتبشرهم بالعذاب الأليم والعقاب الشديد، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... إلخ». الحديث. رواه البخاري، ومسلم، وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء؛ فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان، فإن تاب ردّ عليه». رواه البيهقي وعن أبي قتادة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قعد على فراش مغيّبة قيّض الله له ثعبانا يوم القيامة». رواه الطبراني.
وعن المقداد بن الأسود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «ما تقولون في الزّنى؟» قالوا: حرام حرّمه الله، ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال:«لأن يزني الرّجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره... إلخ». الحديث رواه أحمد، والطبراني، وهذا النكير يشمل الذكر، والأنثى على السواء، كما أنّ الترغيب في العفة والجزاء الحسن يشملهما، وخذ قول الشافعي-رضي الله عنه-: [الكامل]
عفّوا تعفّ نساؤكم في المحرم... وتجنّبوا ما لا يليق بمسلم
إنّ الزّنى دين فإن أقرضته... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا... سبل المودّة عشت غير مكرّم
لو كنت حرّا من سلالة طاهر... ما كنت هتّاكا لحرمة مسلم
من يزن يزن به، ولو بجداره... إن كنت يا هذا لبيبا فافهم