للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشهور في هذا الباب، خرجه البخاري في مواضع من كتابه، وإذا ثبت ذلك في جماد واحد؛ جاز في جميع الجمادات، ولا استحالة في شيء من ذلك، فكل شيء يسبّح للعموم، ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة حال كما يقول البعض، فأي: تخصيص لتسبيح الجبال مع داود عليه السّلام؟ وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما تقدم. انتهى. قرطبي بتصرف كبير. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

{وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ:} لا تفهمون. والفقه: الفهم، والعلم بالشيء، والفقه: العلم بالأحكام الشرعية مستمد من أدلتها التفصيلية، وهو المراد بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين». والفقه: الحذق، والفطنة، وفقه: يفقه من باب: علم: كان فقيها، وفقه، يفقه من باب: ظرف صار فقيها. هذا؛ وخص سبحانه {تَفْقَهُونَ} بالذكر دون «تعلمون» لما في الفقه من معنى الزيادة على العلم؛ لأنه التصرف في المعلوم بعد علمه، واستنباط الأحكام منه.

{حَلِيماً:} حيث لم يعجّل بعقاب العاصين، والمجرمين، والفاسدين المفسدين. و (الحليم) من أسماء الله الحسنى، ومعناه: هو الذي لا يستفزه عصيان العاصين، ولا يستثيره جحود الجاحدين. والحلم (بكسر الحاء، وسكون اللام) وهو: الأناة، والروية في الأمور، والتؤدة، والعقل. ومقابله: السفه، والطيش، والجهل الذي أحدثك عنه في الآية رقم [٦٣] من سورة (الأنبياء). والحلم من خير ما يتصف به مؤمن. قال الشاعر الحكيم: [الطويل]

فيا ربّ هب لي منك حلما فإنني... أرى الحلم، لا يندم عليه حليم

كيف لا وقد وصف الله به خليله إبراهيم وكثيرا من أنبيائه عليهم جميعا ألف تحية، وسلام.

{غَفُوراً} أي: يغفر ذنوب المذنبين، إن هم تابوا، وأنابوا إليه، وهو صيغة مبالغة.

هذا؛ وقد حثنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم على كثرة التسبيح لله تعالى، وذكر لنا أحاديث ترغبنا به، وصيغا مفضلة على غيرها لما فيها من المعاني القوية الكثيرة، وخذ نبذة من ذلك: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم». رواه الستة ما عدا أبا داود. وعن سمرة بن جندب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع:

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرّك بأيّهنّ بدأت». رواه مسلم، وابن ماجة، والنسائي.

وعن جويرية أمّ المؤمنين-رضي الله عنها-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟!». قالت: نعم، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرّات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>