للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظرون أيهم أقرب إلى الله، فيتوسلون به إليه. هذا؛ وأعطى الجلال هذا المعنى: أي: يبتغيها الذي هو أقرب إليه، فكيف بغيره؟ قال الجمل معلقا: أي: أقرب إلى مناجاته، وهم الملائكة، وبغير الأقرب كعيسى، وعزير، ومريم.. إلخ. انتهى.

{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} أي: يؤملون، ويرغبون في رحمة الله، و {وَيَخافُونَ عَذابَهُ} أي: يوم القيامة، {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ..}. إلخ. أي: مخوفا لا أمان لأحد منه، فينبغي أن لا يأمنه أحد، لذا كان الصحابة رضوان الله عليهم شديدي الخوف من عذاب الله، وما يروى عن كرام الصحابة، أبي بكر، وعمر، وعلي، وغيرهم-رضوان الله عليهم-من أقوال وعبارات تدل على أنهم كانوا شديدي الحذر من عذاب الله. قال سهل بن عبد الله: الرجاء، والخوف زمانان على الإنسان، فإذا استويا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر، كيف لا، وعذاب الله يحذره الرسل، والملائكة، وكل أحد؟

كيف لا؛ وقد قال الله في حق الرسل، وذرياتهم: {إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ} هذا؛ وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:

المراد بالمشار إليهم: عيسى، وأمه، وعزير، والملائكة، والشمس، والقمر، والنجوم. وقال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: نزلت هذه الآية في نفر من العرب، كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم أولئك الجن، ولم يعلم الناس بذلك، فتمسكوا بعبادتهم، فعيرهم الله بهذه الآية. انتهى. خازن، وقرطبي بتصرف.

هذا؛ والمراد: بواو الجماعة في قوله: {يَدْعُونَ} العابدون، وفيما بعده: المعبودون، أما الضمير في قوله: {رَبِّهِمُ} فإنه يعود إلى العابدين، أو إلى المعبودين، أو إليهم جميعا. بعد هذا انظر شرح: {رَبُّكُمْ} في الآية رقم [٨] وشرح: (عذاب) في الآية رقم [١٠]، وشرح (الخوف) في الآية رقم [١٣] من سورة (الرعد). هذا؛ و (يرجون): يطمعون، واصل الرجاء: الأمل في الشيء، والطماعية فيه، وقد يأتي بمعنى: الخوف. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي في صفة عسّال؛ أي: الذي يقطف عسل النحل: [الطويل]

إذا لسعته الدّبر لم يرج لسعها... وخالفها في بيت نوب عواسل

وما في الآية الكريمة بمعنى: يطمعون كما قدمت، ومنه قول سوّار بن المضرّب السعدي.

أحد بني سعد تميم، وكان قد هرب من الحجاج حين فرض البعث مع المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج: [الطويل]

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي... وقومي تميم، والفلاة ورائيا

وقال بعض العلماء: لا يقع الرجاء بمعنى: الخوف إلا مع الجحد؛ أي: النفي، كقوله تعالى:

{ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً} وقال بعضهم: بل يقع في كل موضع دل عليه المعنى، وهو المعتمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>