{فَظَلَمُوا بِها} أي: جحدوا: أنها من عند الله، أو ظلموا أنفسهم بتكذيبها، فعاجلهم الله بالعقوبة، وما أحراك أن تنظر قصة قوم ثمود في سورة (الأعراف)، وفي سورة (هود) عليه السّلام. {وَما نُرْسِلُ..}. إلخ: أي: ما نرسل بالآيات المقترحة إلا تخويفا، وتهديدا من نزول العذاب، فإن لم يخافوا؛ وقع عليهم. وقيل: معناه: وما نرسل بالدلالات، والعبر إلا إنذارا بنزول العذاب في الدنيا، أو بعذاب الآخرة، ولا تنس: أن الله لا يمنعه مانع ممّا يريد، وإنما المعنى المبالغة في أنه لا يفعل، فكأنه قد منع منه. وانظر ما يلي:
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سأل أهل مكة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وفضة، وأن ينحّي عنهم الجبال؛ ليزرعوا، وأن يفجّر لهم في أرضهم العيون، والأنهار... إلخ فأوحى الله إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم: إن شئت أن أستأني بهم؛ فعلت، وإن شئت أن، أوتيهم ما سألوا؛ فعلت، فإن لم يؤمنوا؛ أهلكتهم، كما أهلكت من كان قبلهم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«لا بل تستأني بهم»، فأنزل الله عز وجل الآية الكريمة. انتهى. خازن.
هذا؛ ولم يعطهم سبحانه وتعالى ما سألوا، ولم يستأصلهم كما استأصل الأمم السابقة؛ لعلمه الأزلي: أن فيهم من يؤمن، أو يخرج من أصلاب الكافرين منهم من يؤمن، وهو فحوى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إني أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله» ولعلمه الأزلي، وقضائه الأبدي: أن هذا الدين سينتشر في شرق الدنيا، وغربها، وأن حملة لوائه يكونون ممن يؤمن منهم، وقد تحقق هذا في أقل من ثلاثين سنة بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وقال عليه الصلاة والسّلام:«إذا أراد الله بأمّة شرا؛ أهلكها قبل نبيّها، وإذا أراد بأمة خيرا أهلك نبيّها قبلها». والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {مَنَعَنا:} ماض، و (نا): مفعول به، والمصدر المؤول من:{أَنْ نُرْسِلَ} في محل نصب مفعول به ثان، أو في محل جر بحرف جر محذوف على الخلاف بين سيبويه، والخليل وقد تقدم معنا كثير من ذلك. {بِالْآياتِ:} الباء:
حرف جر صلة. (الآيات): مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. هذا؛ وأجيز اعتبار الباء أصلية، على أنّ الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، التقدير: وما منعنا أن نرسل النبي حالة كونه مؤيدا بالآيات. {إِلاّ:} حرف حصر، والمصدر المؤول من:{أَنْ كَذَّبَ} في محل رفع فاعل للفعل: (منع) التقدير: وما منعنا من إرسال الرسول مؤيدا بالمعجزات إلا تكذيب الأولين بها. وانظر مثل ذلك في الآية رقم [٩٤] الآتية. {بِهَا:} متعلقان بالفعل قبلهما. {الْأَوَّلُونَ:}
فاعل كذب مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الفعلية:{وَما مَنَعَنا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَآتَيْنا:} الواو: حرف عطف. (آتينا): فعل، وفاعل. {ثَمُودَ:} مفعول به أول.
{النّاقَةَ:} مفعول به ثان. {مُبْصِرَةً:} حال من الناقة، وجملة:{وَآتَيْنا..}. إلخ معطوفة على ما