وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: قدم وفد ثقيف على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال. قال:«وما هن؟». قالوا: لا ننحني في الصلاة، ولانكسر أصنامنا بأيدينا، وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لا خير في دين لا ركوع فيه، ولا سجود، وأما أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم، فذاك لكم، وأما الطاغية يعني: اللات، والعزى؛ فإني غير ممتعكم بها». قالوا: يا رسول الله! إنا نحب أن تسمع العرب: أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا، فإن خشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعطنا؛ فقل: الله أمرني بذلك، فسكت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله الآية. انتهى خازن.
أقول: وهذا يناقض ما ذكرته في مقدمة السورة: أن الآية وما بعدها ممّا نزل في المدينة.
ومعنى الآية: هموا، وأرادوا أن يصرفوك عن الذي أنزلناه إليك من القرآن، والهدى، والنور؛ لتفتري، وتختلق علينا ما لم نقله لك، ولو فعلت ما طلبوا منك؛ لاتخذوك صديقا لهم، ووالوك، وصافوك.
بعد هذا؛ أما كاد يكاد فهو فعل يدل على مقاربة الفعل بعده؛ ولذا لم تدخل عليه «أن»؛ لأنه يخلص الفعل للاستقبال، وإذا دخل عليها حرف النفي؛ دل على: أنّ الفعل بعدها وقع، كما في قوله تعالى:{فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} وإذا لم يدخل عليها حرف النفي؛ لم يكن الفعل بعدها واقعا، ولكنه قارب الوقوع. والفعل منهما واوي العين، ف «كاد» أصله: كود بكسر الواو كخوف، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، و «يكاد» وزنه يكود، كيعلم، نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم يقال:
تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الآن، فقلبت ألفا فصار: يكاد بوزن يخاف، ومصدره الكود، كالخوف، وهذا في كاد الناقصة، وأما كاد التامة، فهي يائية العين المفتوحة في الماضي، كباع، ومصدره الكيد كالبيع؛ ولذا جاء المضارع في القرآن مختلفا، فمن الأول: قوله تعالى: {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ} ومن الثاني: قوله تعالى: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} ومعنى الأول:
المقاربة، ومعنى الثاني: المكر، والأول: ناقص التصرف، ويحتاج إلى مرفوع، ومنصوب، والثاني: تام التصرف، ويكتفي بالفاعل، وينصب المفعول به.
فائدة: قد تأتي «كاد» بمعنى: أراد. قاله محب الدين الخطيب، شارح شواهد «الكشاف»، وجعل منه قول الأفوه الأودي:[البسيط]
والبيت لا يبتنى إلاّ بأعمدة... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمّع أوتاد وأعمدة... وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
أي: الذي أرادوا، ومنه قول الآخر:[الكامل]
كدنا وكدت، وتلك خير إرادة... لو عاد من زمن الصّبابة ما مضى