للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: نيام، وهجد، وتهجد بمعنى: واحد، وهجدته: أي: أنمته، وهجدته: أي: أيقظته، والتهجد: التيقظ بعد رقدة، فصار اسما للصلاة، لأنه ينتبه لها، فالتهجد: القيام إلى الصلاة من النوم. انتهى. قرطبي. وهو ما في كتب اللغة. {نافِلَةً لَكَ:} الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى:

فريضة زائدة على الصلوات الخمس. وقيل: معناه: كرامة. وقيل: عطية لك. هذا؛ والنافلة:

العطية بدون مقابل، كأنها مغنم، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى ممتنا على إبراهيم-عليه الصلاة والسّلام-: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً} والنفل: الزيادة، ومنه: نفل الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة: الذي يفعله المسلم زيادة على المكتوبات، وجمع النافلة: نافلات، ونوافل، والأنفال: الغنائم التي يكسبها المسلمون من أعدائهم بالحرب، كما في سورة (الأنفال).

{عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ..}. إلخ: اتفق المفسرون على أنّ كلمة «عسى» من الله تدخل فيما هو قطعي الوقوع؛ لأن لفظ عسى يفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء، ثم حرمه، كان عارا عليه، والله أكرم من أن يطمع أحدا، ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه. هذا؛ وقد أجمع المفسرون على أنّ المراد بالمقام المحمود الشفاعة، لأنه أطمعه فيه الأولون، والآخرون، لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «هو المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي». رواه الترمذي. وعنه أيضا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيّ دعوة مستجابة، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي، فهي نائلة منكم، إن شاء الله، من مات لا يشرك بالله شيئا». متفق عليه. هذا؛ وحديث الشفاعة مشهور مسطور في أمهات كتب الحديث.

تنبيه: قد رأيت أن التهجد قد صار اسما للصلاة بعد النوم، وأما الصلاة في الليل قبل النوم فلا تسمى تهجدا، وإنما تسمى: قيام الليل، وعليه فمن نام بعد المغرب؛ فصلاته كلها تسمى تهجدا سواء أكانت فرضا، أو نفلا. هذا؛ وقد كانت صلاة الليل فريضة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى جميع الأمة في ابتداء الإسلام، ثم نسخ الوجوب على الأمة بالصلوات الخمس، وبقي على الاستحباب والتطوع، وبقي الوجوب ثابتا في حقه صلّى الله عليه وسلّم، لما روي عن عائشة-رضي الله عنها-:

أن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال: «ثلاث هنّ عليّ فريضة وهي سنّة لكم: الوتر، والسّواك، وقيام اللّيل».

وقيل: إن الوجوب صار منسوخا في حقه؛ كما في حق الأمة، فصار قيام الليل نافلة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: نافلة لك، ولم يقل: عليك.

هذا؛ وقد ورد أحاديث كثيرة شهيرة ترغب في قيام الليل، أذكر منها ما يلي: عن أبي مالك الأشعري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدّها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السّلام، وصلّى في اللّيل، والناس نيام». رواه ابن حبان.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كلّ عقدة: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ،

<<  <  ج: ص:  >  >>