للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم: أن إدخاله المدينة بعد إخراجه من مكة، وإنما قدمه عليه اهتماما بشأنه، ولأنه هو المقصود له. هذا؛ وقيل: المعنى: أدخلني في القبر مدخل صدق، وأخرجني منه يوم القيامة مخرج صدق، واستحسنه قائله ليتصل بالكلام السابق، كأنه لما وعده ذلك أمره أن يدعو لينجز له ما وعده. وقيل: معناه: أخرجني من مكة آمنا من المشركين، وأدخلني مكة ظاهرا عليها بالفتح المبين. وقيل: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مدخل صدق، وأخرجني من الدنيا، -وقد قمت بما وجب علي من حق النبوة-مخرج صدق. وقيل: معناه: ادخلني في طاعتك مدخل صدق، وأخرجني من المناهي مخرج صدق. وقيل: غير ذلك، والمعتمد الأول. هذا؛ و {مُدْخَلَ} بضم الميم من الرباعي، وبفتحها من الثلاثي، فعلى الأول: هو مصدر على صورة اسم المفعول، وكثيرا ما يرد المصدر كذلك، نحو قوله تعالى: {بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها} ويحتمل أن يكون اسم مكان، وعلى الثاني: هو اسم مكان، ويحتمل أن يكون مصدرا أيضا.

{وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً} أي: حجة بينة. وقيل: ملكا قويا تنصرني به على من عاداني، أو عزّا ظاهرا، أقيم به دينك، فوعده الله تعالى: لينزعن ملك فارس، والروم، وغيرهما، ويجعله له، وأجاب دعاءه. وقال له: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} وقال: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.

بعد هذا انظر شرح (ربكم) في الآية رقم [٨] وشرح (سلطان) في الآية رقم [٩٩] من سورة (النحل)، أما (لدن) فهي بمعنى: عند، وفيها إحدى عشرة لغة، أفصحها: إثبات النون ساكنة، وهي لغة القرآن الكريم، وهي بجميع لغاتها، معناها: أول غاية زمان، أو مكان، وقلما تفارقها «من» الجارة لها، فإذا أضيفت إلى الجملة تمحضت للزمان؛ لأن ظروف المكان لا يضاف منها إلى الجملة إلا «حيث» ويجوز تصدير الجملة بحرف مصدري لمّا لم يتمحض «لدن» في الأصل للزمان، وإذا أضيفت للضمير وجب إثبات النون؛ لأنه لا يقال: لده، ولا لدك.

الإعراب: {وَقُلْ:} الواو: حرف عطف. (قل): أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت».

{رَبِّ:} منادى حذف منه أداة النداء. وانظر بقية الإعراب في الآية رقم [٣٥] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام، {أَدْخِلْنِي:} فعل دعاء، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والنون للوقاية، ويا المتكلم مفعول به. {مُدْخَلَ:} هو مفعول مطلق، أو هو ظرف مكان متعلق بالفعل قبله انظر الشرح، وهو مضاف، و {صِدْقٍ:} مضاف إليه، من إضافة الموصوف لصفته، وجملة: {وَأَخْرِجْنِي..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، وهي مثلها في إعرابها، والكلام كله في محل نصب مقول القول، وجملة: {وَقُلْ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {وَاجْعَلْ:} أمر، وفاعله:

أنت. {لِي:} متعلقان به، وهما في محل نصب مفعول به ثان له. {مِنْ لَدُنْكَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {سُلْطاناً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار

<<  <  ج: ص:  >  >>