للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم الشمس البتة كرامة لهم، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-يعني: أن الشمس إذا طلعت؛ مالت عن كهفهم ذات اليمين؛ أي: يمين الكهف وإذا غربت؛ تمر بهم جهة الشمال؛ أي: شمال الكهف، فلا تصيبهم في ابتداء النهار، ولا في آخره، وكان كهفهم مستقبل بنات نعش في أرض الروم، فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية، لا تبلغهم لتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، وتبلي ثيابهم، وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من آيات الله دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك. انتهى قرطبي بتصرف.

{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ:} وهم في متسع من الكهف؛ أي: في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء، ولا يؤذيهم كرب الغار، ولا حر الشمس، فيقع شعاعها على جانبيه، فيحلل عفونته، ويعدل هواءه.

{ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ} أي: ما فعل الله بأصحاب الكهف كل ذلك من عجائب قدرته، ودلائل عظمته. {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أي: من هداه الله للإيمان، فهو الذي أصاب الفلاح والنجاح، والمراد: به إما الثناء على أصحاب أهل الكهف، أو التنبيه على أنّ أمثال هذه الآيات كثيرة، ولكن المنتفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها، والاستبصار بها. وانظر الآية رقم [٩٧] من سورة (الإسراء). {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} أي: ومن سبق له في حكم الله الأزلي، وتقديره الأبدي بالضلال، والجهل، فلا يوجد له نصير، أو حبيب يرشده إلى الإيمان، ولا يجدي معه وعظ، ولا نصح، ولا إرشاد مهما قدمت له من البراهين، ومهما ضربت له من الأمثلة والحجج. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] من سورة (الرعد).

تنبيه: ذكر الخازن: أن الملك الظالم الذي فروا منه بنى على باب الكهف سدا. وقال:

لكي يموتوا جوعا وعطشا، وأن هذا السد استمر عليهم مدة لبثهم نياما، وأن الملك الصالح اجتمع بهم حين تيقظوا، وبنى على باب الغار مسجدا بعد موتهم، وصريح هاتين الآيتين يرد هذا؛ ويبطله؛ إذ لو كان باب الغار قد سد، كما ذكر لم يستقم قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ..}.

إلخ فليتأمل ويحرر. انتهى. جمل. هذا؛ و {تَزاوَرُ} أصله: تتزاور، فحذفت إحدى التاءين، وهو كثير ومستعمل في الآيات القرآنية.

بعد هذا انظر شرح: {الشَّمْسَ} في الآية رقم [٣٣] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام، أما {ذاتَ} فقد أتت في هذه الآية والتي بعدها بمعنى: الجهة. وانظر معناها بغير ذلك في الآية رقم [١] من سورة (الأنفال)، أو الآية رقم [٢] من سورة (الحج) إن شاء الله تعالى. وانظر شرح (الله) في الآية رقم [١] وإعلال (تجد) مثل إعلال (تزر) في الآية رقم [١٥] من سورة (الإسراء).

وانظر شرح «وليا» في الآية رقم [٦٣] من سورة (النحل).

أمّا (ترى) فماضيه: رأى، والقياس ترأي، وقد تركت العرب الهمز في مضارعه لكثرته في كلامهم، وربما احتاجت إلى همزه، فهمزته كما في قول سراقة بن مرداس البارقي: [الوافر]

أري عينيّ ما لا ترأياه... كلانا عالم بالتّرّهات

<<  <  ج: ص:  >  >>